روح التميمي
2007, 11:07 AM
سليمان بن حمد العليان
هو سلبمان بن حمد بن عبدالله العليان , من أعلام الشعراء في الساحة الشعرية العنيزية , ولد في عنيزة سنة 1377هـ , وبها نشأ ولم يفارقها يوما لعمل أو إقامة سوى فترات قصيرة لا تُذكر .. بدأ حياته الوظيفية في بترومين في الرياض عام 1397هـ , لكن عمله هناك لم يدم أكثر من ستة أشهر , ثم انتقل للعمل في بنك الرياض لمدة سبع سنوات , ثم انتقل إلى مصلحة المياه حيث أمضى فيها ستة عشر عاما , لينتقل في عام 1421هـ إلى إدارة التربية والتعليم مديرا للمشاريع والصيانة .. وفي جمادى الآخرة عام 1426هـ تقاعد تقاعدا مبكرا ليتفرغ ـ إن صح التعبير ـ للشقاء والأعمال الحرة .. متزوج ولديه ستة من الأبناء (أربع بنات وولدان) .
عرفته من فترة طويلة , لكني لم أعلم أنه شاعر إلا في فترة متأخرة , وقد فوجئت مفاجأة كبيرة بذلك , .. فلما اطلعت على نماذج من شعره وقفت أمامها مبهورا معجبا .
سليمان العليان على المستوى الاجتماعي شخصية (كارزمية) ساحرة مرحة جدا , لدرجة أنه لا يستطيع أن يعزل المزح عن الجد , وهو مع أصدقائه ومقرّبيه (يفل البساط أحمدي)
وهو إلى ذلك كله نقي السريرة واضح كل الوضوح , لا يحمل لغيره غلا ولا حقدا , ولست أظن أن مثله لديه أعداء , عطوف فيه نخوة تفوق حدود التصور , وله مع أصدقائه وأقربائه ـ حسب ما أعلم ـ مواقف رجولة وشهامة تُسجل بمداد من حرير وذهب . متحدث من الطراز الأول , نديم نادر .. متصدر للمجالس من غير إملال أو إزعاج , مطلع على الشعر وله علاقات قوية بكثير من شعراء الساحة على مستوى الجزيرة والخليج . وقد شارك في مناسبات أدبية إعلامية مختلفة , فقد شارك في برامج إذاعية وتلفزيونية في الإذاعة والتلفزيون السعوديين , وأحيا عددا من الأمسيات الشعرية , وأذكر أنه شارك في أمسية في قاعة النخيل وأخرى في مركز ابن صالح .
سألته ذات ليلة سامرة كنا فيها ثلاثة هو وأنا والشعر : ما أول قصيدة كتبتها ومتى ؟ فأغمض عينيه في لحظة تذكر ثم قال : لست أدري على وجه اليقين , لكني أذكر قصيدتين من أولى قصائدي ,ومطلعها :
أمس وأنا ماشي مع السوق بالهون=عرّض اللي كنه الريم محلاهوالأخرى يقول مطلعها :
ياناوي المسفار في يوم الاثنين=يم الرياض اللي بها الخل نزّال
وكلتاهما قيلتا عام 1396هـ .
ويقول عن البدايات إنها أخذت شكل المعارضات الطريفة , مثل :
إلى مني حضرت الدرس ساعة=تحدّنّي همومي وأشغلني
أهوجس كن ما حولي جماعة=أحس إن المدرّس كد سجنّي
وقد أولع في بداية حياته ـ انسياقا مع شخصيته المرحة ـ بالمفاكهات والقصائد المضحكة المازحة , كقوله :
ياتيسٍ عند القرعاوي=صغيرٍ كله بلاوي
ما غير يصيّح ويصاوي=ما يسوى له نص ريال
وقوله في نقد الفحطين في البر , المزعجين للمكاشيت :
يالخبل الموذي وش صابك=غرك تقديرك وحسابك
مدري بك شي ينتابك=أو تسكن وسطك جنّيّة !
ومنها :
جيبك بجنونك خرّبته=من شيٍّ ما تقوى كبته
وأوذيت الكاشت والنبته=كنّ أرض الله لك مخليّه
ومن قصائده الفكاهية قوله :
لي حظٍّ نيمٍ في غرفة=ما يومٍ لي رفع طرفه
قطع حبال المعرفة=وأنكرني بكل الحالات
وله مداعبات كثيرة , لكن أكثرها غير قابل للنشر والتداول العام لشدة خصوصيتها ولأنها تحتوي على أسماء وشخصيات .
وسليمان العليان كغيره من الشعراء نظم في كافة الأغراض تقريبا , لكنه يبقى أولا وأخيرا شاعر غزل . فمن شعره في عنيزة قوله :
سلام يا دارٍ للاخيار نوماس=سلام يا دارٍ غلاها سكنها
هذي عنيزة ذكرها رافع الراس=والمجد منهجها وفيها ومنها
ويقول في قصيدة أخرى :
هذي عنيزة ديرة الماضي المجيد=والحاضر الزاهر بفعل رجالها
وواضح أن هذه القصيدة معارضة لأم القصائد الحربية قصيدة الخياط الشهيرة (هذي عنيزة ما نبيعه بالزهيد) .
وأبوحمد رياضي كذلك تشجيعا لا ممارسة .. قال بمناسبة فوز الهلال على النصر وفوزه بكأس الملك عام 1409هـ , مباراة الثلاثية الشهيرة :
يهلال في غيرك حشا ما تغنّيت=وأنت المحبة وأنت نبع المعاني
وفي قصيدة أخرى يقول :
بين الحقيقة والخيال=قصة لها الأزرق روى
قصة أمل فيها أشرقت شمس البطولة للبطل
من قصائده العزيزة على نفسه قصيدة وجّهها لابنه الأكبر حمد عندما كان صغيرا , يقول فيها :
شف ياحمد جرحي وأنا اللي تهيّبت=أبيّن أحوالي لكل الخلايق
وابوك من حظي والأيام شيّبت=لين أودعت بي من لظاها حرايق
شالتني أيامي وأنا ما تزهّبت=وأعطتني الدنيا كثير الحقايق
حلّقت في عالي سماها وغيّبت=لو كنت للتحليق مانيب طايق
تكسّرت جنحاني اليوم وانْصبت=ولا نيب للي ترغب النفس فايق
وله مرثية في والده عليه رحمة الله , يقول مطلعها :
وابوي عقبك بالكرى ما تهنيت=والوقت لو يصفا فأنا ما صفا لي
جربت فقدك واحسايف تعنيت=ومنوّلٍ ما يوم همّه طرا لي
وله في الأسهم قصيدة يقول فيها :
السوق نازل والمخاسير بصعود=والدين راهي ما يبي من يزيده
هنيّ من عنده عقارات بعقود=مردودها في كل عام يفيده
لا عاد هو ناشد ولا عنه منشود=مرتاح من سهمٍ طعونه سديده
بيده رياله بالسهاله وبالكود=والزود عند البنك حسبة رصيده
إلى صحا يفطر على خبز مفرود=مع فول مع كبدة وقشطة جديدة
لا ضغط لا سكر ولا حكة جلود=ولا به القولون يمهن كديده
أتلى نهاره باستراحته موجود=رِجلٍ على رجلٍ ونفسه سعيده
ماله بتحليل الشبكشي ومسعود=هي زانت أو شانت أو أمست عصيدة
وإلى نوى المسفار تلفن لمحمود=يمسح طريقه بالديار البعيدة !
وعنما أسمعها الشاعر صالح الكريدا , وقال له : إنه لم يكملها بعد , قال له صالح : خلاص لا تكمّل , وصل الهدف .. وقد صدق .
في نهاية العام الدراسي هذا طلبت إليه ابنته (وصايف) أن يكتب قصيدة كي تلقيها في حفل مدرستها الختامي , بمناسبة تخرجها من الصف السادس الابتدائي ! قال لي : لما طلبت ذلك رأيت أنه من غير المناسب أن أكتب قصيدة نبطية لتلقى في مثل هذه المحافل التربوية , فكتبت قصيدة بالفصحى , يقول مطلها :
قبل الوداع وعن باقي زميلاتي=وقفت رافعة أسمى تحياتي
وله قصيدة بالفصحى أيضا لم تكتمل بعد حسب قوله , قالها في الملك عبدالله حفظه الله , وفيها :
لله درك عبدالله من ملك=أخلصت للدين والإنسان والوطن
وواضح أن قصائده الفصيحة ـ على قلتها ـ ولم أسمع منها سوى المدوّن هنا تنحو منحى الرسمية , والرسمية والإبداع ـ في ظني ـ كالتنوين والإضافة لا يلتقيان !
أما سليمان العليان شاعر الغزل ففاتن المعاني ساحر الأساليب , قصائده مزيج من دموع وشكوى ملفوفة بالغموض .. يبدو أنه خاض تجارب دامية , وكثير من خاض مثل تلك التجارب , لكن سليمان عبر عنها بغموض لم يتضح منه سوى قطرات من دموع , ودموع الرجال دموع حمراء ! ليس بيدي الآن نصوصه لأبين هذه السمة الثابتة في غزله , لكن اقرأوا قصائد وابحثوا عن الدموع ستجدون الكثير منها .
من اجمل قصائده قوله :
ابتعدت أيام ثم اشتقت لك=واشتكيت الوقت لكن ما اشتكيك
أنتي وقتي والهواجس مدهلك=هاجسٍ يبكيك وآخر يحتويك
وأنت مشواري وحبك لي فلك=أرتفع به وأستديره وأرتجيك
وقوله :
أفقدك بدروب المقادير وألقاك=وأبعد وأقرّب للخطاوي محلك
ماقول ضاع الوقت في دُورة رْضاك=لو كان قلبي ما حصل يدلك
ومنها البيت الشهير :
ما أبكيك والله لو تماديت بأَخطاك=أخاف عيني لا بكيتك تهلّك !
يقال إن الأستاذ عبدالرحمن البطحي ـ رحمه الله ـ عندما سمع هذا البيت وضع يديه على رأسه وقال : ول ول حسبي الله عليك ! وشلون وصلت ! كما قال الأستاذ سليمان الهطلاني : منين جيت ووشلون وصلت !
ومن قصائده الحلوة :
الصوت لك يامتعبه وينك عنه=والصمت لاجلك في ثناياه الكلام
ومنها :
أنت السفر والسالفة والهيجنة=وأنت المسافة والدليلة والمرام
ومنها :
مدري سكنك البعد وإلا تسكنه=وإلا عبرت النور مع جسر الظلام !
وواضح ما في هذا البيت من صورة غامضة مموهة ثلاثية الأبعاد بألوان متموّجة , لكنها ـ بصراحة ـ آسرة عذبة . عندما سمع البيت صالح الكريدا قال : قف ! ماذا تقصد ؟ وكيف عبرت النور مع جسر الظلام ؟!فرد عليه أبوحمد : أنا قلت وأنت عليك أن تفهم ما تريد ! وهذا رد نقدي دقيق وصحيح أيضا , فالنصوص الأدبية الرائعة هي تلك النصوص المفتوحة على العديد من التفسيرات , وكلما تعددت التفاسير زادت قيمة النص الفنية , وليس شرطا أن نفهم مقصود الشاعر , ومقصود الشاعر الأساسي عادة يكون خاصا وليس من الضروري الاطلاع عليه , المهم تفاعلنا نحن مع النص , والمعنى هو الذي نفهمه ولا يهم غيره . قيل لأبي تمام : لمَ لا تقول ما يُفُهم ؟ فرد : ولمَ لا تفهم ما يقال !قال لي أبوحمد إن الدكتور سعد أخذ أوراقا فيها قصائدي وأخذ يتأملها وأنا جالس عنده , وفجأة رفع عينيه إلي وقال : وش يبي سليمان العليان ؟ فرددت عليه : وش تبي أنت ؟ وهذا السؤال وذلك الرد داخلان في هذه القضية التي نقررها هنا .
من أجمل قصائده كذلك تلك التي يقول مطلعها :
قلت الوعد يا مشغل البال الاثنين=قال الثلاثا قلت ما نيب طايق
طال انتظاري وأنت باكر وبعدين=كنك مع أيامي تزيد العقايق
وأجمل ما فيها البيت الأخير الذي رقرق الدمعة في عيني عندما سمعته لأول مرة , وهو :
وقال الوداع ..! وحارت العين بالعين=وكلٍّ بنا من علقم الياس ذايق !
يا ألله ..! (حارت العين بالعين!) هذا تعبير يذيب القلوب الحية !
وفي نفس القصيدة بيت يُصنّف من ذوات المعاني الخفية متعددة التفاسير , وهو قوله :
قلت انتبه ما يقبل البيت شطرين=وطروقهن متخالفات النسايق !
ومما يُصنّف في هذا الباب أيضا قوله :
إيه أنت الأول ودوك الروح شاورها=أو هي معك .. خلها .. ما عاد تعنيني !
. . . يتبع
هو سلبمان بن حمد بن عبدالله العليان , من أعلام الشعراء في الساحة الشعرية العنيزية , ولد في عنيزة سنة 1377هـ , وبها نشأ ولم يفارقها يوما لعمل أو إقامة سوى فترات قصيرة لا تُذكر .. بدأ حياته الوظيفية في بترومين في الرياض عام 1397هـ , لكن عمله هناك لم يدم أكثر من ستة أشهر , ثم انتقل للعمل في بنك الرياض لمدة سبع سنوات , ثم انتقل إلى مصلحة المياه حيث أمضى فيها ستة عشر عاما , لينتقل في عام 1421هـ إلى إدارة التربية والتعليم مديرا للمشاريع والصيانة .. وفي جمادى الآخرة عام 1426هـ تقاعد تقاعدا مبكرا ليتفرغ ـ إن صح التعبير ـ للشقاء والأعمال الحرة .. متزوج ولديه ستة من الأبناء (أربع بنات وولدان) .
عرفته من فترة طويلة , لكني لم أعلم أنه شاعر إلا في فترة متأخرة , وقد فوجئت مفاجأة كبيرة بذلك , .. فلما اطلعت على نماذج من شعره وقفت أمامها مبهورا معجبا .
سليمان العليان على المستوى الاجتماعي شخصية (كارزمية) ساحرة مرحة جدا , لدرجة أنه لا يستطيع أن يعزل المزح عن الجد , وهو مع أصدقائه ومقرّبيه (يفل البساط أحمدي)
وهو إلى ذلك كله نقي السريرة واضح كل الوضوح , لا يحمل لغيره غلا ولا حقدا , ولست أظن أن مثله لديه أعداء , عطوف فيه نخوة تفوق حدود التصور , وله مع أصدقائه وأقربائه ـ حسب ما أعلم ـ مواقف رجولة وشهامة تُسجل بمداد من حرير وذهب . متحدث من الطراز الأول , نديم نادر .. متصدر للمجالس من غير إملال أو إزعاج , مطلع على الشعر وله علاقات قوية بكثير من شعراء الساحة على مستوى الجزيرة والخليج . وقد شارك في مناسبات أدبية إعلامية مختلفة , فقد شارك في برامج إذاعية وتلفزيونية في الإذاعة والتلفزيون السعوديين , وأحيا عددا من الأمسيات الشعرية , وأذكر أنه شارك في أمسية في قاعة النخيل وأخرى في مركز ابن صالح .
سألته ذات ليلة سامرة كنا فيها ثلاثة هو وأنا والشعر : ما أول قصيدة كتبتها ومتى ؟ فأغمض عينيه في لحظة تذكر ثم قال : لست أدري على وجه اليقين , لكني أذكر قصيدتين من أولى قصائدي ,ومطلعها :
أمس وأنا ماشي مع السوق بالهون=عرّض اللي كنه الريم محلاهوالأخرى يقول مطلعها :
ياناوي المسفار في يوم الاثنين=يم الرياض اللي بها الخل نزّال
وكلتاهما قيلتا عام 1396هـ .
ويقول عن البدايات إنها أخذت شكل المعارضات الطريفة , مثل :
إلى مني حضرت الدرس ساعة=تحدّنّي همومي وأشغلني
أهوجس كن ما حولي جماعة=أحس إن المدرّس كد سجنّي
وقد أولع في بداية حياته ـ انسياقا مع شخصيته المرحة ـ بالمفاكهات والقصائد المضحكة المازحة , كقوله :
ياتيسٍ عند القرعاوي=صغيرٍ كله بلاوي
ما غير يصيّح ويصاوي=ما يسوى له نص ريال
وقوله في نقد الفحطين في البر , المزعجين للمكاشيت :
يالخبل الموذي وش صابك=غرك تقديرك وحسابك
مدري بك شي ينتابك=أو تسكن وسطك جنّيّة !
ومنها :
جيبك بجنونك خرّبته=من شيٍّ ما تقوى كبته
وأوذيت الكاشت والنبته=كنّ أرض الله لك مخليّه
ومن قصائده الفكاهية قوله :
لي حظٍّ نيمٍ في غرفة=ما يومٍ لي رفع طرفه
قطع حبال المعرفة=وأنكرني بكل الحالات
وله مداعبات كثيرة , لكن أكثرها غير قابل للنشر والتداول العام لشدة خصوصيتها ولأنها تحتوي على أسماء وشخصيات .
وسليمان العليان كغيره من الشعراء نظم في كافة الأغراض تقريبا , لكنه يبقى أولا وأخيرا شاعر غزل . فمن شعره في عنيزة قوله :
سلام يا دارٍ للاخيار نوماس=سلام يا دارٍ غلاها سكنها
هذي عنيزة ذكرها رافع الراس=والمجد منهجها وفيها ومنها
ويقول في قصيدة أخرى :
هذي عنيزة ديرة الماضي المجيد=والحاضر الزاهر بفعل رجالها
وواضح أن هذه القصيدة معارضة لأم القصائد الحربية قصيدة الخياط الشهيرة (هذي عنيزة ما نبيعه بالزهيد) .
وأبوحمد رياضي كذلك تشجيعا لا ممارسة .. قال بمناسبة فوز الهلال على النصر وفوزه بكأس الملك عام 1409هـ , مباراة الثلاثية الشهيرة :
يهلال في غيرك حشا ما تغنّيت=وأنت المحبة وأنت نبع المعاني
وفي قصيدة أخرى يقول :
بين الحقيقة والخيال=قصة لها الأزرق روى
قصة أمل فيها أشرقت شمس البطولة للبطل
من قصائده العزيزة على نفسه قصيدة وجّهها لابنه الأكبر حمد عندما كان صغيرا , يقول فيها :
شف ياحمد جرحي وأنا اللي تهيّبت=أبيّن أحوالي لكل الخلايق
وابوك من حظي والأيام شيّبت=لين أودعت بي من لظاها حرايق
شالتني أيامي وأنا ما تزهّبت=وأعطتني الدنيا كثير الحقايق
حلّقت في عالي سماها وغيّبت=لو كنت للتحليق مانيب طايق
تكسّرت جنحاني اليوم وانْصبت=ولا نيب للي ترغب النفس فايق
وله مرثية في والده عليه رحمة الله , يقول مطلعها :
وابوي عقبك بالكرى ما تهنيت=والوقت لو يصفا فأنا ما صفا لي
جربت فقدك واحسايف تعنيت=ومنوّلٍ ما يوم همّه طرا لي
وله في الأسهم قصيدة يقول فيها :
السوق نازل والمخاسير بصعود=والدين راهي ما يبي من يزيده
هنيّ من عنده عقارات بعقود=مردودها في كل عام يفيده
لا عاد هو ناشد ولا عنه منشود=مرتاح من سهمٍ طعونه سديده
بيده رياله بالسهاله وبالكود=والزود عند البنك حسبة رصيده
إلى صحا يفطر على خبز مفرود=مع فول مع كبدة وقشطة جديدة
لا ضغط لا سكر ولا حكة جلود=ولا به القولون يمهن كديده
أتلى نهاره باستراحته موجود=رِجلٍ على رجلٍ ونفسه سعيده
ماله بتحليل الشبكشي ومسعود=هي زانت أو شانت أو أمست عصيدة
وإلى نوى المسفار تلفن لمحمود=يمسح طريقه بالديار البعيدة !
وعنما أسمعها الشاعر صالح الكريدا , وقال له : إنه لم يكملها بعد , قال له صالح : خلاص لا تكمّل , وصل الهدف .. وقد صدق .
في نهاية العام الدراسي هذا طلبت إليه ابنته (وصايف) أن يكتب قصيدة كي تلقيها في حفل مدرستها الختامي , بمناسبة تخرجها من الصف السادس الابتدائي ! قال لي : لما طلبت ذلك رأيت أنه من غير المناسب أن أكتب قصيدة نبطية لتلقى في مثل هذه المحافل التربوية , فكتبت قصيدة بالفصحى , يقول مطلها :
قبل الوداع وعن باقي زميلاتي=وقفت رافعة أسمى تحياتي
وله قصيدة بالفصحى أيضا لم تكتمل بعد حسب قوله , قالها في الملك عبدالله حفظه الله , وفيها :
لله درك عبدالله من ملك=أخلصت للدين والإنسان والوطن
وواضح أن قصائده الفصيحة ـ على قلتها ـ ولم أسمع منها سوى المدوّن هنا تنحو منحى الرسمية , والرسمية والإبداع ـ في ظني ـ كالتنوين والإضافة لا يلتقيان !
أما سليمان العليان شاعر الغزل ففاتن المعاني ساحر الأساليب , قصائده مزيج من دموع وشكوى ملفوفة بالغموض .. يبدو أنه خاض تجارب دامية , وكثير من خاض مثل تلك التجارب , لكن سليمان عبر عنها بغموض لم يتضح منه سوى قطرات من دموع , ودموع الرجال دموع حمراء ! ليس بيدي الآن نصوصه لأبين هذه السمة الثابتة في غزله , لكن اقرأوا قصائد وابحثوا عن الدموع ستجدون الكثير منها .
من اجمل قصائده قوله :
ابتعدت أيام ثم اشتقت لك=واشتكيت الوقت لكن ما اشتكيك
أنتي وقتي والهواجس مدهلك=هاجسٍ يبكيك وآخر يحتويك
وأنت مشواري وحبك لي فلك=أرتفع به وأستديره وأرتجيك
وقوله :
أفقدك بدروب المقادير وألقاك=وأبعد وأقرّب للخطاوي محلك
ماقول ضاع الوقت في دُورة رْضاك=لو كان قلبي ما حصل يدلك
ومنها البيت الشهير :
ما أبكيك والله لو تماديت بأَخطاك=أخاف عيني لا بكيتك تهلّك !
يقال إن الأستاذ عبدالرحمن البطحي ـ رحمه الله ـ عندما سمع هذا البيت وضع يديه على رأسه وقال : ول ول حسبي الله عليك ! وشلون وصلت ! كما قال الأستاذ سليمان الهطلاني : منين جيت ووشلون وصلت !
ومن قصائده الحلوة :
الصوت لك يامتعبه وينك عنه=والصمت لاجلك في ثناياه الكلام
ومنها :
أنت السفر والسالفة والهيجنة=وأنت المسافة والدليلة والمرام
ومنها :
مدري سكنك البعد وإلا تسكنه=وإلا عبرت النور مع جسر الظلام !
وواضح ما في هذا البيت من صورة غامضة مموهة ثلاثية الأبعاد بألوان متموّجة , لكنها ـ بصراحة ـ آسرة عذبة . عندما سمع البيت صالح الكريدا قال : قف ! ماذا تقصد ؟ وكيف عبرت النور مع جسر الظلام ؟!فرد عليه أبوحمد : أنا قلت وأنت عليك أن تفهم ما تريد ! وهذا رد نقدي دقيق وصحيح أيضا , فالنصوص الأدبية الرائعة هي تلك النصوص المفتوحة على العديد من التفسيرات , وكلما تعددت التفاسير زادت قيمة النص الفنية , وليس شرطا أن نفهم مقصود الشاعر , ومقصود الشاعر الأساسي عادة يكون خاصا وليس من الضروري الاطلاع عليه , المهم تفاعلنا نحن مع النص , والمعنى هو الذي نفهمه ولا يهم غيره . قيل لأبي تمام : لمَ لا تقول ما يُفُهم ؟ فرد : ولمَ لا تفهم ما يقال !قال لي أبوحمد إن الدكتور سعد أخذ أوراقا فيها قصائدي وأخذ يتأملها وأنا جالس عنده , وفجأة رفع عينيه إلي وقال : وش يبي سليمان العليان ؟ فرددت عليه : وش تبي أنت ؟ وهذا السؤال وذلك الرد داخلان في هذه القضية التي نقررها هنا .
من أجمل قصائده كذلك تلك التي يقول مطلعها :
قلت الوعد يا مشغل البال الاثنين=قال الثلاثا قلت ما نيب طايق
طال انتظاري وأنت باكر وبعدين=كنك مع أيامي تزيد العقايق
وأجمل ما فيها البيت الأخير الذي رقرق الدمعة في عيني عندما سمعته لأول مرة , وهو :
وقال الوداع ..! وحارت العين بالعين=وكلٍّ بنا من علقم الياس ذايق !
يا ألله ..! (حارت العين بالعين!) هذا تعبير يذيب القلوب الحية !
وفي نفس القصيدة بيت يُصنّف من ذوات المعاني الخفية متعددة التفاسير , وهو قوله :
قلت انتبه ما يقبل البيت شطرين=وطروقهن متخالفات النسايق !
ومما يُصنّف في هذا الباب أيضا قوله :
إيه أنت الأول ودوك الروح شاورها=أو هي معك .. خلها .. ما عاد تعنيني !
. . . يتبع