تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأستاذ عبدالمحسن ..


روح التميمي
2007, 04:26 PM
عبدالمحسن الصالح

1322هـ ـ . . .

هو الشاعر الفذ المرحوم الأستاذ عبدالمحسن بن ناصر بن عبدالمحسن الصالح ,
ولد في عنيزة عام 1322هـ , حيث استوطنها والده بعد مجيئه إليها من المجمعة موطنه الأصلي .
تلقى تعليمه على يد الشيخ (فهيد المفلح) وعدد آخر من المشايخ , كما درس خلال إقامته القصيرة
في المجمعة على يد الشيخ محمد الثميري .
في عام 1348هـ شارك أخاه المرحوم صالح الناصر الصالح (رائد التعليم الأهلي الحديث في نجد)
في تأسيس أول مدرسة أهلية تسير على النهج التعليمي الحديث كمدرس للصفوف الأولى .
وفي عام 1356هـ تم تحويل هذه المدرسة إلى أول مدرسة حكومية تحت اسم (المدرسة العزيزية)
وبقي فيها مدرسا حتى عام 1380هـ , ثم عمل موظفا بإدارة التعليم حتى وصل سن التقاعد عام 1392هـ ,
وهذا التاريخ يشككنا في صحة سنة ولادته التي نقلتها من كتاب (شعراء عنيزة الشعبيون)
ولعل هناك خطأ مطبعيا في تثبيتها , لأن التقاعد من العمل الحكومي يبدأ من سن الستين لا السبعين ,
فهل وُلد الأستاذ عبدالمحسن سنة 1332هـ ؟ .. ربما , وهذا يعني أنه بدأ التدريس وعمره خمسة عشر عاما ,
وهذا ليس بمستغرب , فقد كان المعلمون في بداية التعليم يعيّنون بعد نجاحهم من الصف السادس ..
كانوا معلمي ضرورة ! والمدرسة التي مارس فيها التدريس لأول مرة كانت أهلية يملكها أخوه الأستاذ صالح .
قال الشعر في سن مبكرة , ولعل تنقله في مستهل حياته بين قرى ومرابع البادية أكسبه اطلاعا أكثر
على أشعارهم وعاداتهم , ومعرفة بأيامهم ورجالاتهم .. وقد قال الشعر في مختلف الأغراض ,
لكن يغلب عليه الشعر التعليمي والاجتماعي , وشعره نوعان : جاد وهازل , ولعل الشعر الفكاهي
الذي برع فيه هو أبرز ماميزه عن الشعراء الآخرين , والفكاهة في شعره جاءت
ـ كما يرى مقدم الديوان د. عبدالعزيز الخويطر ـ انعكاسا لروحه المرحة , ولعصره الذي تنفس الصعداء
بعد الحروب والنكبات , وأصبح يبني ويشيد نهضة حديثة . والفكاهة عنده متعددة الوسائل في شعره ,
فهي أحيانا في الصورة , وأحيانا في الكلمة , وأحيانا في المفاجأة , وأحيانا في المغالاة ..
ومن أمثلة الفكاهة في شعره , قوله :

وإن صار حمارك مزكوم . . وإلا خشمه به نعرة

إلى أن يقول :

واسقه حليب به فلفل . . واسبيرينٍ يبري ظهره
واطله بالنورة والخضرا . . يستملس جلده من شعره
وإلى بغيته سبوق . . اسحق حبحر وادح شخره
واما سهى مثل الموتر . . ترى عمره لك هدره

ومنها :

أوبالأصالة عن كلي . . أرحب فيكم وأهلّي
إلا إلى صرت أصلي . . فالحكي شينٍ بالمسجد

ومنها :

ما يِفقد غير الرجالي .. اللي يطمح للمعالي
من حرصه على الكمالي . . حارب لذاته والمرقد
هذي هِمّات الحرار . . من طبعَه تصير كبار
البرّادي على النار . . أبرجع لمُّه لا يبرد !

ومنها :

الرخصة يالربع الرخصة . . طاح الثور بوسط الجصة
أباروح أجبّر عصه . . واحكّ سنونه بالمبرد !

وكذلك :

أنا التلميذ المشهور . . اللي شكله ما يدور
بركة علم وحبر حبور . . شفني من زود العلم أضلع

ولعل من أشهر قصائده الفكاهية قصيدة (الديك) , التي مطلعها :

لي ديكٍ زينٍ توقيته . . يوعّي النايم تصويته
لولا طيبه ما شريته . . بريال وقرش الدلالي

وقصيدة الفلاح , التي مطلعها :

رحت بيوم السيل مسيّر . . عازمني فلاحٍ خيّر
يسني هرشينٍ وحْميِّر . . والعقايب ثورٍ وأمه

وقصيدة (نفسك خله خفيفة ) التي مطلعها :

نفسك خله خفيفة . . لا تجعله كسيفه
واضحك مع الصحيفه . . تبقى مبسوط وطربان

ومنها :

ترى الزعل للبومة . . والفيل أبو زلّومه
والنملة المهمومه . . اللي وليده وجعان

وغيرها الكثير .
أما شعره المدرسي فهو قصائد ومقطوعات تدعو إلى العلم ونبذ الجهل والكسل ,
وتتناول الظاهرة التعليمية في ذلك الوقت المبكر في عنيزة وتفاعل الناس , وخصوصا الصغار منهم ,
سلبا وإيجابا , مع ذلك المناخ الجديد . وتتخلل كثيرا منه الفكاهة والدعابة المثيرة .
عبدالمحسن الصالح شاعر موهوب , مميز , له لون خاص به , وأكثر نظمه على الطرق
(الحميداني) الخفيف الذي يناسب الغناء , ويصلح لصياغة المرح . ويرى الدكتور عبدالعزيز الخويطر
أن شعره ولونه الأدبي تحكم فيهما عاملان رئيسان , هما : طبيعته وثقافته . فأما طبيعته
فقد رزقه الله موهبة , وقدرة على التحصيل والاستيعاب , وبصيرة ثاقبة , وتمييزا بين طبائع الناس ,
وحبا للنشاط والحركة , وانجذابا للناس , وحبا للخير , وروحا مرحة ساعدته على نشر أفكاره الخيرة ..
وأما ثقافته التي صقل بها هذه الطبيعة , فقد توافرت له عن طريق التحصيل المدرسي المنتظم ,
والقراءة الحرة المطلقة , وخصوصا للشعر الفصيح , وكتب الأدب العربي , ومتابعة الأدب الشعبي والشعر النبطي .
كان شعره موجها لعموم الناس وللشباب والصبيان خاصة , فهو بحق رائد الشعر النبطي التعليمي الفكاهي ,
وأسهم إسهاما كبيرا في إحياء سوق الأدب والشعر , وأسهم مع أخيه أستاذ التعليم الأكبر في عنيزة
الأستاذ صالح , في تكوين منتدى أدبي مسائي , حيث تقام حفلات السمر الأدبية ,
وأظن أني قرأت ذات يوم أن الملك عبدالعزيز حضر إحدى هذه الحفلات , وأُعجب بما شاهد ..
له ديوان مطبوع هو (ديوان عبدالمحسن الصالح) , وجاء فيه ( كُتبت هذه القصائد في الفترة الممتدة
بين بداية الخمسينات وبداية الثمانينات , حيث توقف الشاعر عن العطاء منذ عام 1382هـ) .
توفي الشاعر رحمه الله إما قُبيل أو بُعيد حرب الخليج , ولا أعرف سنة الوفاة بالضبط ,
ولعل الزملاء المطلعين يوافوننا بها على وجه التحديد .
رحم الله الأستاذ عبدالمحسن الصالح , فقد كان مؤثرا في الناس أفرادا ومجموعات ,
وله جهود هائلة في إحياء الحركة الأدبية والتعليمية , وله دور بازر في اتجاه الطلاب إلى العلم والأدب ,
فقد أشاع بشخصيته المتعددة المواهب جوا ثقافيا واجتماعيا صحيين , وهو وأخوه الأستاذ صالح
يمثلان علامة بارزة في تاريخ التعليم والثقافة في عنيزة .. رحم الله الجميع .