تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أوسع ترجمة لشاعر عنيزة الكبير عبد الله الحمد السناني مع قصائد تنشر لأول مرة


hael1
2009, 03:57 AM
السلام عليكم ورحمة الله : كنت وعدتكم قبل أكثر من سنة بنشر شيء من ترجمة الجد شاعر عنيزة الذي وصفه بعض النقاد من معاصريه أنه "أمير الشعر المعاصر" عبدالله الحمد السناني رحمه الله ، وها قد وجدت عن طريق أخوالي ترجمة مطولة مفصلة ربطت كثيرا من شعره بأحداث حياته كتبها الخال الشيخ الدكتور عصام بن عبد الله السناني جواباً لأسئلة طلاب بحث التخرج في كلية اللغة العربية بالجامعة لهذه السنة (يعني طرية جدا) أهدى نسخة منها لوالدته (جدتي أمد الله في عمرها على طاعته) فأبكاها. سوف أنشرها خلال هذا الأسبوع ، وصدقوني أنا لما قرأت هذه الترجمة عرفت أنها ستكون وثيقة تاريخية عن الجد الشاعر الكبير عبد الله الحمد السناني فانتظروني.

hael1
2009, 04:45 PM
ترجمـة
حكيم الشعراء
عبد الله بن حمد السناني
كتبها
ابنه الدكتور عصام بن عبد الله السناني
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية
وعضو مجلس الإدارة الأول بالجمعية العلمية السعودية للسنة وعلومها
وعضو اللجنة العلمية لفتوى الحج في وزارة الشؤون الإسلامية
وعضو لجان المناصحات الفكرية بوزارة الداخلية
(إجابة على أسئلة طلاب بحث التخرج في كلية اللغة العربية)
(1430هـ)


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد ..
فقد تردد عليّ بعض طلاب الدكتور الفاضل إبراهيم المطوع طالبين الإجابة على بعض الأسئلة التي طرحوها عن الوالد الأديب والشاعر الحكيم عبد الله بن حمد السناني رحمه الله ضمن بحث التخرج للطلاب في شعر الوالد رحمه الله ، فطلبت منهم الإمهال لكثرة الأعمال العلمية في الكلية وخارجها ، فكنت كلما اتصلوا بي اعتذرت ، حتى إذا جاء دور الإجابة على أسئلتهم في ترتيب جدول الأعمال العلمية على الطاولة متزامناً مع قرب انتهاء الفصل الدراسي ، فأخبرتهم أني سأكتب لهم أشياء يسيرة في وريقات على عجل ، لكني ما إن بدأت بالإجابة على الأسئلة التي وجهها إليّ الطلاب إلا وأثارت فيّ أشجان وذكريات فتدفقت المعلومات ، فما زلت أثبت بعضاً وأزيل بعضاً حتى تكاملت هذه الترجمة التي يراها القارئ في هذه السطور ، فشكر الله للدكتور الفاضل إبراهيم المطوع الذي كان سبباً لنشر فضيلة للوالد طويت ، خاصة بعد مضي إحدى وعشرين سنة ونيف على وفاته رحمه الله ، فنشأ جيل لا يعرف عن أمير الشعر المعاصر شيئاً كما سماه بعض معاصريه ، ومـــاذا قدم لإثراء أدب أمته ووطنه ، لأن غالب من كان اليوم دون الثلاثين ربما لم يسمع بالوالد رحمه الله ، وربما سمع به من هو في عقد الأربعين من أبناء جيلي. وبمناسبة الإلحاح على نشر هذه الترجمة في المنتديات فإني أرجو من كل من يصله حرفي من زملاء الوالد الفضلاء أو طلابه الأوفياء في أنحاء المملكة أن يقوم كل منهم بتزويدي بما عنده من قصائد للوالد رحمه الله ، وكذلك ما يعرفه عن سيرته التي لم يطلع عليها إلا هو في أثناء تدريسه قديماً أو في عمله الإداري أو في مجالسه الأدبية على العنوان أدناه ؛ لأني عازم بإذن الله على أن أخرج كتاباً يشتمل على سيرة الوالد الشخصية والتعليمية والإدارية والأدبية في مختلف مراحل حياته وربط ذلك بقصائده التي قالها بتلك المناسبات على قدر المستطاع ، حتى نؤدي شيئاً من حقه علينا رحمه الله ، وحق البلدة التي أنجبته بتخليد سيرة فذة لأحد أبنائها العصاميين ممن جمع بين الأصالة والمعاصرة في أدبه مع تمسكه بثوابت وأخلاقيات دينه بالرغم من رياح التقلبات العاصفة التي عصفت في أبناء جيله يمنة ويسرة ليكون قدوة يحتذي بها أبناء هذا الجيل من الأدباء والمثقفين ومن بعدهم. واستطراداً أرجو من مؤرخي عنيزة والمهتمين بوثائقها الكرام ــ تعاوناً منهم على الخير ــ تزويدي على العنوان المذكور بكل ما يتعلق بأحد من علماء أو أدباء العائلة الآخرين ــ كما حصل من أخي المؤرخ الدكتور الفاضل أحمد البسام ــ ؛ لأني كذلك أعتزم بإذن الله تأليف كتاب عن علماء وأدباء عائلة السناني العامرية ، ومع أني أخوض في غير فني على حساب ما أحسن ، فقد وجدتني مضطراً لذلك حين لم يستجب أحد من أهل هذا الفن لندائي الذي ناديت به قبل سبع سنوات للقيام بهذا العمل ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :"خيركم خيركم لأهله".
وكتبه : د.عصام بن عبد الله بن حمد السناني
على العنوان التالي : كلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم – قسم السنة
أو ص.ب (201) عنيزة الرمز البريدي (51911)
أو على البريد الإلكتروني esam-snane@hotmail.com
أو برسالة استدعاء مبررة لا مهاتفة على الجوال [0505177624]


ترجمة الوالد عبد الله بن حمد السناني رحمه الله
* نسبه وعائلته: هو حكيم الشعراء عبد الله بن حمد بن علي بن محمد بن إبراهيم السناني الحميدي السبيعي العامري ، فآل السناني في عنيزة من آل أبو سبيع من آل علي من العُونْة من بني حميد من بني عامر من سبيع بن عامر. ولد رحمه الله في بيت علم وأدب ، فجده الشيخ علي بن محمد السناني رحمه الله المتوفى سنة (1339هـ) والذي عُدَّ من كبار العلماء في عصره وعرض عليه القضاء مرات فامتنع ، وتتلمــذ على يديه جماعة منهم : الشيخ صالح العثمان القاضي والشيخ عبد الرحمن السعدي رحمهما الله ، وكان يفد عليه الملك عبد العزيز رحمه الله إذا حضر إلى عنيزة. بل من الثابت عندنا أنه قد أمدّ الملك عبد العزيز ببعض المال ــ قيل : بألف جنيه ذهب ــ لما احتاج لذلك في إحدى مرات وفود الملك عليه ؛ لأنـــه كان غنيــاً رحمه الله. ولما توفي رحمه الله ووضع في قبره جلس تلميذه ووالد زوجته الثانية قاضي عنيزة الشيخ صالح بن عثمان القاضي معتمداً على قدميه واضعاً راحتيه على وجهه ومرفقيه على فخذيه وهو يبكي ، فقيل له في ذلك ، فقال : لا أبكي على السناني ، وإنما أبكي على العلم الذي ذهب في صدره لم يورث. وكذا فعمُّ أبي الوالد الشيــخ عبد العزيز بن محمد السناني رحمه الله الذي توفي في الشام سنة (1326هـ) ورثاه العلامتان شكــري الألوسي وجمال الدين القاسمي فقال الأخير عنه (كما في الرسائل المتبادلة بين الشيخين تحقيق العجمي) : "فلقد كان من الفقهاء النبهاء والحنابلة الأتقياء ، يذكر هديه ووقاره وسكونه وتؤدته وحلمه حاله حال السلف ، ولعمر الحق لو كان في عصر القشيري لأدرجه من رجال الرسالة بل هو فوق ذلك". وكذا والد جده الشيخ محمد بن إبراهيم السناني رحمه الله العالم الورع وتلميذ مفتي نجد الشيخ عبد الله أبابطين رحمه الله الذي خلفه على قضائها لما سأله أهل عنيزة عند رحيله عّمن يصلح للقضاء بعده فأشار بالجدّ رحمه الله. وله قصة مشهورة في نصرة دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب ذكر الدكتور أحمد البسام صورة رسالته في ذلك في مجلة الدرعية (العدد 14 في ربيع الآخر 1422هـ) ، توفي رحمه الله بعد ولاية القضاء بستة أشهر سنة (1269هـ). ولقد ترجم لهم ولغيرهم من طلبة العلم في الأسرة كل من ألف في تراجم علماء نجد. ومما يذكر هنا أن الوالد عبد الله رحمه الله اجتمع له شرف الانتساب لبيوتات العلم في عنيزة من جهتين ، فوالده الجد حمد رحمه الله اجتمع له جدان عالمان من جهتي أمه وأبيه : فجده من جهة أبيه الشيخ القاضي محمد بن إبراهيم السناني المتقدم ذكره ، وأما جـده من جهة أمـه فهو كذلك قاضي عنيزة وعالمها وخطيب جامعها جدّنا الشيخ عبد الرحمن بن محمد القاضي المتوفى رحمه الله سنة (1261هـ) والذي لم يخلف ولداً ذكراً وإنما كان له أسباط من ابنتيه : الجدّة مضاوي الــتي تزوجها الشيخ عــليّ فأنجبت منه أربعة أبناء أحدهم جدي حمد ، وكان لها قبل ذلك ابنان من زوجها الأول من عائلة القاضي ، اجتمع ستتهم في بيت الجد علي رحمه الله. وله كذلك أسباط من ابنته الثانية من عائلة البسام رحمهم الله جميعاً. ولما ترجم له الشيخ عبد الله البسام رحمه الله في كتابه "علماء نجد في ثمانية قرون (2/88) قال : "تقيم هذه الأسرة في مدينة عنيزة منذ أزمنة بعيدة ، والمترجم من أسرة علميه ، فجده وجد أبيه وأعمام جده (الصواب أعمام أبيه) من كبار علماء عنيزة".وكان الشعر يسري في هذه العائلة ، فأخوا الوالد وشقيقاته ووالدته وبعض أبناء عمه رحمهم الله كانوا يجيدون الشعر الشعبي.

hael1
2009, 06:54 AM
*مكانته وشعره : مع أن الوالد رحمه الله لم يعط الاهتمام الذي يليق به بين أبناء بلدته إلا أنهم كانوا يلجأون إليه في غالب المناسبات ليكتب الشعر باسمهم بين يدي الضيوف كقصيدته التي لا زالت أتذكر صداها إلى اليوم بمسامعــي في اجتماع أهالي القصيم في المليداء لما قدم الملك فيصل رحمه الله للمنطقة في أول عقد التسعينات والتي ألقاها الأستاذ إبراهيم السويل. والوالد رحمه الله كان من المعجبين أشد الأعجاب بالملك فيصل ، ولمعرفتي بذلك لمّا سمعت بخبر مقتل الملك رحمه الله دخلت على الوالد رحمه الله في قيلولته ، وهو وقت لا يجرؤ أحد منا أن يفعله ولم يتكرر مثله لهيبته رحمه الله ، فأيقظته بشجاعة وأخبرته بالحدث فقام فزعاً كأن القيامة قد قامت ، ورثاه رحمه الله بقصيدة طويلة كان منها:

يا فقيــداً قد مـات كيف يشاء
ميتة يستطيبهــا العظمــــاء

رابع الراشـدين والقتل فيكـم
سنة أنكــــم بــــه شهــــداء

صبغ الحزن كل شيء على الأر
ض فألقت ألوانها الأشيـــــاء

أي خطب! هل القيـامة قامت
أم تصـــدى للعالمين الشقـاء

مـادت الأرض يوم موتـك هــولاً
وأجلتـــــك واكفهـــر الفضــاء

حتى قال رحمه الله :

أوفـــــــاة وأمــــتي تتلظـــــــى
وبــــلادي يدوسهـــا الأدعيــــــاء ؟

أوفاة وساعة الصفر حرف
بيـــــن كفيـــــــك كلهــــا إصغـــــاء ؟

أوفاة وبالسيف قد حرم الغمــــــــــــ
ــــــــــد ولم ترم سرجها الشقراء

وفلسطيننـــا الأخيذة عرى
تطلـــــب الأرجــوان وهو الكســاء ؟

أوفــــاة ولامـــة الحــرب ثوب
لبستــــــــه جيوشـــــــــــنا السمـــــراء

لا اعتراض على المقــادير إنا
أمــــة لم يمــــت لديــهــــا الرجــــــــــاء


* ومثل ذلك حين طلبوا من الوالد رحمه الله أن ينظم قصيدة للترحيب بالملك خالد رحمه الله حين قدم لعنيزة بتأريخ 22/2/1401هـ ، فنظم قصيدته التي ألقاها الأستاذ أحمد الدبيان في الاحتفال الذي كان في موقع سوق الخضار اليوم ، فمما قال فيها بعد ذكر تطلع أهل القصيم لمشاريع النماء في عهده :

هنا تتلقى أمة أمـــــر ذاتها
وسيــــــــــــدها ندّ لديه مسودها


ومنهجها القرآن والله ربها
على العدل والتوحيد رفعت بنودها


فرايتها تسمو على كل راية
ويعلو على كل النشيد نشيدها


ولن تتوانى لانتخاب رئاسة
فليست تبالي أي رأس يسودها


لسوف يعود الحق يوما لأهله
وتفلت أولى القبلتين يهودها


وما مات حق تقتضيه قضية
إذا لم يقف عند الصعاب صمودها

حتى قال :

أبا بندر هذا لسان عنيزة
يروم بياني حاله لو يجيدها


فعفوا إذا حدّ المقام بلاغة
وقصّر عن شأو القوافي لبيدها


جهرت بما تقضي الحقيقة منشدًا
وما أطمعتني حُظوة أستفيدها


ولولا اعتباري أن يقال مبالغ
لأطنبت فيما فيه غم حسوده


ومما يذكر هنا لمناسبة قوله رحمه الله : "وما أطمعتني حُظوة أستفيدها" تصديق قوله فعله أنه لما أرسل له مبلغ مالي آنذاك من وزارة الإعلام مقابل القصيدة عن طريق مذيع تلفزيون القصيم آنذاك حمد الزنيدي رفض قبولها وردها ، وقال : لم أكتب لذلك.
* إن كل من عرف الوالد رحمه الله وقرأ له أقر له بالريادة في الشعر مع أنه رحمه الله لم يدرس النحو والعروض والأدب كدراسة المتخصصين ، وإنما كان أدبه عن موهبة واطلاع ، ولذلك لما كتب الأستاذ عبد الله بن إدريس كتابه "شعراء نجد المعاصرون" ذكر الوالد رحمه الله ضمن من ترجم لهم ، مع أن الوالد رحمه الله آنذاك كان دون الثلاثين من عمره ، فالطبعة الأولى للكتاب صدرت عام (1380هـ) قبل ولادتي بثلاث سنوات ، ومع ذلك فقد قال عنه مؤلفه ابن إدريس : "شاعر جيد إلا أنه مقل ، وتعوزه الأجواء الملونة ، ومع ذلك فإن القارئ سيجد في مختاراتنا لهــــذا الشـاعر كثيراً من النفثات الدافئة ، واللفتات التصويرية الحلوة".
* وقد أنصفه من أهل بلده فضلاء مؤرخيها فعرفوا مكانته الأدبية والشعرية الفذة التي تكاملت مع سمو شخصيته ـ وإنما يعرف الفضل لذي الفضل أهل الفضل ـ فترجموا للوالد رحمه الله في مؤلفاتهم التي كتبوها عن علماء الشريعة على غير عادة منهم ، فترجم له الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام عضو هيئة كبار العلماء رحمه الله في كتابـه "علماء نجد في ثمانية قرون (2/88) وقال عنه : "فصار من كبار شعراء نجد المعاصرين ، وكان اطلاعه وإدراكه من كثرة قراءته وملازمته الكتــب المفيـــدة في القراءة الحرة ، وزاول المترجم مهنة التدريس فصار محبوباً من زملائه ومن تلاميذه لحسن أخلاقه وكمال سلوكــــه وطيب حديثه ، ولـــــه قصائد جيـاد ، وكتابـــات بليغة ... والمترجم من المواطنين المخلصين المحبين لوطنه ، ولكنها وطنية تمثل عقله الكبير وتفكيره البعيد ، فلا طيش ولا خفة"أ.هـ. وكذا ترجمه له العم الشيخ محمد بن عثمان القاضي في كتابه "روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين" ، فقال في آخر ترجمته بعد وصفه بالزميل والأديب البارع والشاعر المنطيق : "هو طويل القامة أسمر اللون على وجهه سيما الهيبة والوقار ، له نكت حسان مرِحاً لا يمل مجلسه ، وكان خطاطاً فائقاً في حسنه للخط والوضوح تختاره على الطباعة ، وشاعراً بارعاً لا يجارى ، تـــرجم لـــــه عبد الله بن إدريس ، وكان إماماً في الأدب والشعر عربيّه ونبطيه"أ.هـ
* بل إن أحد الأدباء النقاد ممن عاش ردحاً من الزمن في عنيزة وعايش كبار شعرائها وأدبائها وهو أستاذ الأدب في جامعة الملك سعود سابقاً الأستاذ الدكتور عبدالكريم محمد الأسعد كتب مقالاً ذكر فيه كبار أدباء عنيزة وشعرائها دون ذكر الوالد رحمه الله ، فلما كان في العدد (12667) بتأريخ 18 جمادى الأول 1428 كتب معتذراً بأن الهرم والمرض تسقط معه التكاليف ثم قال : "لقد كان هذا شأني في مقالي الأول (حديث الذكريات) بصحيفة (الجزيرة) الغراء في 24-5-2007م عن أدباء المدينة السامقة عنيزة الفيحاء وعن شعرائها، فقد نسيت - وجل من لا يسهو - أن أتحدث فيه إلى جانب من تحدثت عنهم عمن أسميه بدون مبالغة أمير الشعر المعاصر الجميل الذي رحــل عن دنيانا قبــل أن ينال ما يستحقه من التنويه ، ومن الثناء والمديح ، ومن دراسة شعره المليح ، الشاعر الألمعي المغلق عبدالله الحمد السناني ، رحمه الله ، لم يُقدَّر للشاعر مع الأسف أن يخلِّف لنا ديواناً مطبوعاً واحداً على الأقل من شعره الكثير الممتاز ، واكتفى بما نشره من القصائد إبان حياته بين الفينة والأخرى في الصحف والمجلات السيارة مما كان في حينه محل الإعجاب ، ومناط الإطراء ، من النقاد والقراء ، على حد سواء"أ.هـ. ثم ذكر الشاعر القدير إبراهيم المحمد الدامغ.
* لقد كان الوالد رحمه الله مربياً لجيلٍ من الأدباء والشعراء ممن درسهم وزاملهم وهم الآن ملء السمع والبصر ، فهذا الشاعر الكبير الأستاذ صالح الأحمد العثيمين حين كتب قصيدة للوالد رحمه الله يهنئه بالعيد ــ سيأتي ذكرهاــ قـــال في افتتاحها : "إلى الذي تعلمنا منه كيف تولد الحروف ، وتضــيء الكلمات ، وكيف تجود المواسم والفصول : الخال الكريم أبو سامي". وهذا الشاعر الكبير المتواري الأستاذ عبد الرحمن المساعد المنير يقول في رثاء الوالد رحمه الله :


إليك انتهى سحر القوافي طبيعة
يتيـه على الروض القشيب قشيبها


لينهزم الحرف الكثيف ضبابه
ويبقى لنجـــد شيخهـا وأديبهـــــا


ذوى القول من بعد السناني وأقفرت
مجامــــع فيهـا قيسهـا وحبيبهــــا


أيا شاعري قومي تناسوك جفوة
أم الخطـــــب نــــار لا يطـاق ركوبهــا


إذا كان فضل المرء ينسى بموته
فلا حملــــت أنثى ولا فــــاح طيبهـــا
(يتبع)

hael1
2009, 04:15 PM
تعديل قول المترجم "لا زالت أتذكر" الصواب "لا زلت أتذكر"
وفي البيت "فيما فيه غم حسوده" الصواب "فيما فيه غم حسودها"

hael1
2009, 06:06 PM
*حياته وصفاته : ولد رحمه الله سنة (1351هـ) كما هو مثبت في حفيظته التي احتفظ بصورة منها حتى اليوم ، وفيها جميع أبنائه وأمام كل منهم ما عدا الصغير إشارة الإلغاء (x) إما لزواج أو لاستقلال ببطاقة. ولكن الشيخ محمد العثمان القاضي يصر على أن الوالد رحمه الله ولد قبل ذلك بسنتين (1349هـ) ، وتبعه على ذلك الشيخ عبد الله البسام في ترجمته للوالد ، ولقد نشأ الوالد رحمه الله يتيماً إذ توفي والده وله أربع سنوات فربته أمه طرفه الصالح الخنيني رحمها الله على الدين والخلق إذ كانت رحمها الله عاشت في بيت الشيخ علي بن محمد السناني فنهلت من معين علمه وتربيته ، وكانت أديبة أريبة حكيمة تقرض الشعر الشعبي وتكثر من رواية الحكم والمواعظ. ثم تعلم بعد ذلك على يد المربي صالح بن ناصر آل صالح فاستفاد منه في صقل موهبته الأدبية ، قال الشيخ عبد الله البسام في "علماء نجد في ثمانية قرون (2/88) : "ولد المترجم في بلدة عنيزة عام 1349هـ ونشأ فيها وتعلم في مدارسها النظامية ، حتى تثقف ، وصار ملماً من كل علم وفن بطرف إلا أن ميوله إلى الناحية الأدبية شعراً ونثراً . وحصل على شهادة الكفاءة وأكثر من ملازمة مثقفي مدينة عنيزة مثل الاستاذ صالح بن ناصر آل صالح ، فدرس عليه في المدرسة الابتدائية العزيزية ، واستفاد منه ، فقد وجهه إلى الأدب الرفيع والذوق العالي ، كما عدّل بنانه بحسن الخط وجودة الإنشاء ، فصار من كبار شعراء نجد المعاصرين"أ.هـ وفي أستاذه صالح آل صالح يقول الوالد رحمهم الله :
حنانيك أستاذي فما أنا ناكر * جميلك إني فيك كالمغرم الصب
تعاهدتني في الزهر كما مغلفاً * وفتحته بالسقي من نبعك العذب
تفتحت في أحضان كفك زهرة * تضوع أريجاً عن شمائلك الحدب
فلولاك ما اهتزت غصون وأثمرت * وكنا بوحل الجهل من عفن الترب
* وكان الوالد رحمه الله طويلاً باعتدال يميل إلى السمرة قليلاً ، تعلو على محياه هيبة تبدو للناظر من أول وهلة ، وكان حليماً وقوراً حيياً ذا تؤده يبتسم دون ابتذال أو علو صوت ، تعد كلماته في المجلس الذي يجلس فيه لقلة حديثه وكثرة إنصاته لمن يتكلم ، فإذا تكلم لا يمل السامع حديثه. وكان رحمه الله ندي الصوت في قراءة القرآن ، عجيباً في استحضار الآيات في مظانها من المصحف. وكان رحمه الله رجّاعاً إلى الحق لا يأنف من إبداء الملاحظات عليه حتى وإن كان ذلك من أحد أبنائه ، فإني لا أذكر أني ناقشته في أمر قرنته بالدليل الشرعي إلا فاء وسمعت استغفاره. فمن ذلك أني وإياه كنّا في مجلس الجدة والدته رحمهما الله وأنا في بداية دراستي الجامعية فجرى ذكر بعض ما حصل بين معاوية وعليّ رضي الله عنهما فجرى على لسانه رحمه الله شيء مما ذكرته بعض كتب الأدب ، فانتقدته رحمه الله لنقل هذه العبارة التي تنقلها عادة كتب الأدب "كالعقد الفريد" ممن عرف أصحابها بالتشيع ، وتكلمت عن عقيدة أهل السنة والجماعة في تعظيم مقام الصحابة كلهم والإمساك عمّا شجر بينهم ، وهو في ذلك منصت بأدب عجيب مع أني أسلوبي كان حماسياً فما زاد ــ والله ــ على أن أبدى الندم واستغفر ، وكان الجدة رحمها الله تستمع الكلام وتبتسم.
*والدته مدرسته الأولى : كانت الجدة بالنسبة للوالد رحمهما الله هي الأم والأب والأخ ؛ لأنه رحمه الله عاش يتيماً ، فهي مربيته ومدرسته وملهمته لم يفارقها يوماً إلا لسفر عارض ، ولما اختير للسفر لمكة في شبابه مع بعض زملائه لإكمال الدراسة أبت عليه فترك ذلك من أجلها ، فقد كان رحمه الله بَراً بها بِراً لا أعرف له نظيراً في المعاصرين بل كنت استحضر بأفعاله معها وصف النبي صلى الله عليه سلم في وصف أويس القرني : "لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ" ، ولذا فهو لا يدخل البيت أو يخرج إلا ودخل غرفتها وجاذبها الحديث ، ولا يأكل إلا معها في غرفتها إلا نادراً ، ولا يدخل للبيت شيئاً إلا بعد أن تراه وبعد أن عميت بأن تمر يدها عليه فتختار منه ما تريد ، ولا ينام حتى تأوي إلى فراشها فيغطيها ببردته "بشته" الذي على كتفيه فوق أغطيتها خشية عليها من البرد. فإذا غضبت ذات يوم فلا يعرف نوماً حتى ترضى ، حتى إنه في شبابه إذا أغلقت على نفسها حجرتها "الروشن" وهي غضبى كان يتسور السطح "الطاية" على منور غرفتها فيقبل يديها ورأسها حتى ترضى كما حكت لي ذلك والدتي حفظها الله. لقد كانت تمثل له كل شيء في الحياة ، ولذا فعنها يقول رحمهما الله تعالى :
قدست من أنت يا أماه آيته * تفيض فلسفة كبرى لمعتبر
هاأنت طول حياتي لي معلمة * أسمى التعاليم من باقاتك الغرر
صرت الطريق إلى ربي وفاتحة * ذهني على كوة الكتاب والسور
رعيتني زهرة وقت الجفاف وبي * أصيص حضنك يغري غيرة الزهر
حممتني بالندى واليتم يعصف بي * في باقة ذدت عنها لسعة الدَّبر
* ويقول في آخر قصيدة أخرى بعنوان "أنـــــــا" :
وفقـــــــدت عمــــلاقي أبــــــي * ووجدت عمــــــلاقــي الكــــــريم
أمــــــي الــــتي في حضنهــــــا * نــــوم أنـــسي والرقيـــــــــــم
بأنـــــــــــوثـــــــة جبــــــــــــــارة * تختــــال بالصــبر الأليـــــــــــــم
لا الــــــــــيأس حــــدّر أنفهــــــا * كــــــــــلا ولا صلــــــــــف اللئـــيم
عاشــــت مدرّســــــــتي وجـــا * معـــتي ومــأوي الحمـــــــــــــيم
الله أرســـــــلها إلــــــيّ ومــــن * سوى الــــــربّ الرحــــــــــــــــــيم
* ولذا لم يلبث بعد موتها رحمها الله إلا يسيراً حتى ابتدأ به المرض الذي انتهى بموته رحمه الله بعد سنتين ونيف من فراقها فلم يبق معافى فيها إلا أياماً معدودة. فقد كان يرى أنه كالطفل الذي فقد أمه ، والمسافر في دار غربة بعيدة تركه صحبه بلا عودة. لقد تغير طعم الحياة بفقدها فهو يقول بعد وفاتها في قصيدة بعنوان "وداعاً يا أعز حبيبة" :
فقد بك الدنيا التي قد كسيتها * جمالاً وكانت ذات معنى به أهوى
فقد صارت الأيام في غير لونها * فلا طعمها منٌّ ولا ريحها سلوى
وغرفة ناديك المضيئة اعتمت * وآلت كربـــع بعــــد مؤنسـه أقــــــــوى
تذكرني الآثـــــار فيـــــك فانثــني * ولا شيء غير الدمع والعبرة القصوى
قدمت إلى الدنيا وأنت مضيفتي * فكنت جناحاً ضمد اليتم والشكوى
عرفت بك الله الذي أنت آيــــة * له فعــرفت القلب واللطف والسلـوى
وما زلت بعد الفراق مقيمـــــــــة * بقلبــــي روحــــاً لا تزايلنـــــي نجـــــوى
سأبقى على عهد الوفاء لــــبرتي * إلى أن يوافيــــني الذي بـــك قد ألـــوى
* ويقول في قصيدة بعنوان "زين المحسنات" :
تحملــت الترمـــل والمآســي * وثكلــــــــك بالـــــذكور وبالإنــــــــاث
وللمـــت اليتامى في جنـاح * مهيـــض دافـــــــئ بالمرحمـــــــــات
تساووا ستــــــة وهم ضعاف * بــلا ريـــش كأفـراخ القطــــــــــــاة
ولم يهزمك ثقل الصبر لمّـــــا * وقفـــــت وأنت وحــــدك في ثبـــــات
مـــن الإيمان كان عليــك درع * حمــاك وما حمـاك مـــــن الأذاة
* أبناؤه: تزوج رحمه الله امرأتين أحدهما طلقها ولم تنجب منه شيئاً ، والثانية هي : والدتي مضاوي بنت عبد الكريم المرزوقي حفظه الله من قبيلة البقوم رزق منها بأربعة من الذكور وأربع من الإناث ، تزوجوا في حياته وأنجبوا إلا أصغر الأولاد الذكور فقد توفي رحمه الله وهو دون الخامسة عشر ، وقد كنت آخرهم زواجاً قبل وفاته ؛ حيث توفي رحمه الله بعد ولادة أكبر أبنائي عاصم بنحو أربعين ليلة ، وكان قد حمله بيديه قبل موته بليال وهو يردد "جُمَيّل جُمّيْل" أي جميل ، وعاصم الآن قريباً بإذن الله سيتخرج من الجامعة. ولقد كانت علاقة الوالد رحمه الله بأبنائـه علاقة عجيبة متجاذبة بين الحب والهيبة ، والأبوة والصداقة ، كان رحمه الله له هيبة عجيبة إذا دخل البيت كأن على رؤوسنا الطير ، مع أني لا أعرف أنه رحمه الله استعمل الضرب مع أحدٍ مع أبنائه ولا الزجر الشديد ، إنما كانت المعاتبة الهادئة منه أقوى وأقسى من كل ضرب أو زجر ، فإذا رأى أمراً قد استعصى جلس مع المراد تأديبه وناقشه مناقشة فيها الوعظ والحكمة والإقناع وبيان العاقبة السيئة لمّا هو فيه. وكان رحمه الله لا يأنف أن يعتذر لأبنائه إذا رأى أنه تجاوز في التأديب أو العبارة فقد أنبّ أحد أبنائه ذات يوم على أمر ما فأحس بأنه تجاوز وليس كذلك ، فاعتذر منه بعدها وقبل رأسه ، وقال : إذا قسوت عليك يوماً فاعذرني فأنا اليوم قد كبرت وأنا اليوم أرجوكم كما كنتم ترجونني صغاراً. ومما قاله رحمه الله بعد أن اتفق ــ لأول مرة ــ غياب جميع أبنائه الذكور في وقت واحد ما عدا الصغير للدراسة أو العمل ، وكنت آخرهم سفراً إذ لم أفارقه رحمه لله منذ ولادتي إلا في منتصف سنة (1405هـ) أي قبل موته بثلاث سنوات ونصف ، ففي تلك السنة من شهر شوال قال :
عليكم يابني ودي سلاماً * يعبر عن مدى إشعاع حبي
إذا اختلفت رقاع الأرض فينا * فإن الحب وحد كل قلب
نقابلكم فيشفى كل شوق * ونحيا في البعاد بقلب صبٍ
سلوا في بعدكم خفقات قلبي * فنقر قلوبكم عنها سينبي

hael1
2009, 08:17 PM
* أعماله : الولد رحمه الله لم يسكن غير عنيزة منذ ولادته إلا لسنتين تقريباً انتقل فيهما إلى الرياض قبل زواجه مع والدته عند شقيقيه ، لكن لمّا غلبه الحنــين إلى عنيزة عاد مع والدته وبقي فيها حتى وفاته ، وبعد أن تخرج رحمه الله من المرحلة الابتدائية سنة (1372هـ) تعين مدرساً في المدرسة العزيزية الابتدائية مع أساتذته لتميزه رحمه الله في عقله وعلمه مع قلة المدرسين آنذاك فدرّس بعض أقرانه ، وفي هذه الأيام يصلي خلفي في مسجدي الذي أؤم فيه العم العابد عبد الله الحريقي أبو حمد الذي يذكر لي أن الوالد رحمه الله درّسه تلك الفترة مع أنه من أقران الوالد تقريباً. إن كل من درس على الوالد رحمه الله في تلك الفترة أكن له المحبة وشهد له بالعلم ودماثة الخلق والقدرة الفائقة على إيصال المعلومة. يحكي ذلك الشيخ عبد الله البسام في "علماء نجد في ثمانية قرون (2/88) حين يقول : "زاول المترجم مهنة التدريس فصار محبوباً من زملائه ومن تلاميذه لحسن أخلاقه وكمال سلوكه وطيب حديثه". لكنه رحمه الله بعد فترة من بداية تدريسه تطلع لإكمال الدراسة في بلدته بعد أن منعته والدته رحمها الله من السفر لإكمال الدراسة متغرباً فالتحق بالمرحلة المتوسطة دارساً أيضاً ، فلما أكملها سنة (1384هـ) انتقل إلى الثانوية العامة إدارياً ولم يتحول عنها ، ومن اللطائف إنه انتقل رحمه الله إلى الثانوية بعيد ولادتي بأشهر فأدركته فيها طالباً في آواخر التسعينات وكذلك أدركه قبلي أخي الذي يكبرني. وبالرغم من إلحاح بعض زملائه رحمه الله على انتقاله لإدارة التعليم فقد آثر الاستمرار في الثانوية حتى قدم تقاعده في شهر صفر سنة (1408هـ) لأمرين : فبالإضافة إلى إيثاره البعد عن المسؤولية قدر المستطاع كان حريصاً جداً على التمتع بالإجازة الصيفية التي يتمتع بها موظفوا المدارس ، ولا زلت أذكر ذهابي معه ــ وأنا صغير ــ في أيام الإجازة للثانوية العامة إذا حلَّ دوره في المناوبة الإدارية ، والتي لا تتعدى بضعة عشر يوماً. لكنه رحمه الله في آخر أيامه في الثانوية كان يتحسر على زملائه من الإداريين السابقين الذين كان يجد منهم كل الإجلال والتقدير طيلة خمس وعشرين عاماً ، فلما تغيرت عليه الحال ـ ودوام الحال من المحال ــ قدم تقاعده فكان مما قال رحمه الله في ورقة تقاعده:
ألقيــت حبلك في يمينـــك فارجعـــي في بيت أهلك قبل يوم عرفتني
ليس الفــراق مــــع الكرامـــة بدعــــة هذا هو القدر الذي أوعدتني
صاحبت فيك على الكفاف قناعتي وبها غنى نفسي وما أغنيتني
ستكون خـــــير هـديـــة نســيـان مــن فيـه على درب الأذاة جمعتــني
* وقال في أول قصيدة بعنوان "إخلاء طرفي" :
ما كان صكاً عنّي تسريح مقترف * بل وردةٌ نفحها إخلاؤها طرفي
كلا و لاهو عتقي في مكاتبــــــة * طويت فيها سنين العمر في الكلف
عانقتها كوسام صرت أحملــــــــه * وقد رجعت من الميدان بالشَّرف
ألقيت عن عاتقي أعباء واجبهــــا * لاستجم ويُعطى فرصة خلفـــــــي
في ساعة الصفر في يدي أمــــلاً * عانقت فيه خياراً سامي الهدف
فيه أعزُّ منـــال عشت أطلبـــــــــه * ليلاي حريــــتي آلـــــتّ إلى كنفـــــي
* وأما في مجال الأعمال الأدبية فقد شارك رحمه الله في تأسيس النادي الأدبي الذي افتتح في مدينة عنيزة في السبعينات لمدة سنتين ثم توقف ، ثم كان عضواً في النادي الأدبي في منطقة القصيم قبل أن يبتعد عنه لطبيعته رحمه الله التي ورثها من أبائه وهو إيثار العزلة والبعد عن التكاليف والرسميات ، ولديّ خطاب مع أوراق الوالد المصورة بتأريخ 9/10/1400هـ خاطب فيه رئيس النادي الأدبي الوالد بصفته عضو النادي الأدبي. لكنه رحمه الله استمر في نشر قصائده وبعض مقالاته في الصحف والمجلات حسب الظروف والوقائع.
* برنامجه اليومي : كان رحمه الله برنامجه رتيباً لا يتغير فهو يتناول فطوره صباحاً مع والدته وزوجته ثم يذهب لعمله ، فإذا عاد تناول غداءه معهما ومع أولاده وكان يأكل بأصابعه الثلاثة لا يزيد عليها ، يأكل بتؤدة عجيبة وبطء ، ثم ينام القيلولة ، فإذا صلى العصر تناول القهوة مع والدته في غرفتها ، ثم يخرج في آخره العصر إلى مزرعة صديق عمره الأستاذ عثمان الحمد القاضي رحمه الله التي هي المنتدى والملتقى اليومي لجميع الأصدقاء ، فيها يتجاذبون أطراف الحديث ويتراوون الأخبار فيصلون المغرب ثم العشاء حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول رجع رحمه الله إلى بيته فدخل غرفة والدته وجلس هنيهة ، ثم خرج وجلس ووالدته مع من حضر من أبنائه للعشاء ، ثم تستمر جلسة السمر مع من بقي حول التلفاز لأنه كان يحرص جداً على مشاهدة المصارعة الحرة ويتفاعل معها ، فإذا انتهت الجلسة رجع لغرفة والدته فسامرها حتى تخلد إلى النوم ثم ذهب هو للنوم. وأما القراءة فكانت في ثنايا أوقاته المعتادة ليس لها وقت معين ، فمثلاً كان يستدني رحمه الله كتاباً قبل أن ينام من ليل أو نهار فيقرأ حتى يأخذه النوم رحمه الله. وفي آخر حياته اشترى أرضاً فسورها وزرع فيها شجراً في حي الروضة وخفف من ذهابه إلى مزرعة عثمان القاضي ، فكان يذهب إلى حديقته كثيراً خاصة في أيام الإجازات الأسبوعية والطويلة فيقرأ وينظم الشعر ويزوره فيها خواص الشعراء المقربين منه. وقد زاره فيها الدكتور طارق الحبيب بمشورتي حين كان طالباً فأخذ من قصائده لنشرها ، وسأله عن بعض أمور حياته وشعره فنشر ذلك في صحيفة جامعة الملك سعود "رسالة الجامعة" ، ثم في صحيفة الجزيرة في عدد(5828) في الشهر الذي توفي فيه الوالد رحمه الله.
* ومما يدل على أن الوالد رحمه الله ممن أخذ الأدب بسليقته وطبيعته الجبلية ، أنه لم يكن له مكتبة أدبية كبيرة كغيره من الناس أو غرفة خاصة للقراءة في البيت ، وإنما تكون كتبه التي يريد قراءتها عند رأسه رحمه الله ، ومما أذكر أنه كان يحدث نفسه كثيراً بوضع مكتبة في طرف البيت قريباً من غرفته لكنه لم يفعل رحمه الله ، ولّما اجتمعت كتبه وكتب كان يشتريها أخي الأكبر في الأدب وغيره وضعتها في مكتبة غرفتي مع كتبي الشرعية التي كنت أبتدأت بجمعها في أول المرحلة الجامعية قبل أن أنتقل بها إلى بيت المسجد المجاور لبيت الوالد الذي صرت إمامه حيث وضعت لها غرفة مستقلة لّما كثرت. ولا زلت أذكر أن الوالد رحمه الله أخذ من مكتبتي تلك كتاباً عن الرافضة اسمه "وجاء دور المجوس" فقرأه وناقشني عن بعض ما جاء فيه ، فكانت معلوماته مرتكزاً لقصائده التي كتبها عنهم ، فمن ذلك ما قاله في قصيدة له بعنوان "مجانين قم" :
هو التاج إلا أنه في عمامــــــــة * وكسرى ولكن في ثياب نفاق
(زاردشت) مستخف بجُّبةِ مسلم * يُطلِّق دين الحق ألف طلاق
تنفس حقد الدهر من صدر فارس * ودقَّ على الأمجاد باب عراقِ
حتى قال رحمه الله :
لقد حلموا بين العمائم واللحى * بمجد هوى إيوانه بمحاق
يريدون بالإغلال أكرم أمة * هدتهم إلى نور وحسن عتاق
وقد نقموا من أمتي حين خلصوا * رقابهم من ضيعة ووثاق
وشقوا عصا الإسلام منذ انبلاجه * وما ضربوا فيه بسهم وفاق
وما كان روحاً غير عيسى فروحُهم * تهادت عليهم من جزائر واق
* وقال رحمه الله حينما هاجموا الحرم المكي في أيام الحج في قصيدة بعنوان "يا ربة الصون" كان في مطلعها : راعوك في خدرك الطهور * ياكعبة النور للدهور
فقال مشيراً لقطع دابر فتنتهم من جهة الدولة وفقها الله :
نحن هنا والخليل فينا * من عاهل أو فتى صغير
حراس من بيته حِمانا * نفديه مــن أثــــــــم وزر
والموت والنصر في لوانا * شهادة المؤمن الجـــــدير
يا صانعي الجرم قد رأيتم * فإنها غضبة الصبور
والموعد الحج إن تعودوا * نعد ولا لبس في المصير
قرآننا حسمنا فلسنا * نحيد عن حكمه البصير
*أصدقاؤه ومقربوه : (يتبع)

hael1
2009, 09:37 PM
تعديل قول الشاعر : ما كان صكاً عنّي تسريح مقترف ، والصواب
ما كان صكاً عنى تسريح مقترف ..............................

hael1
2009, 10:39 PM
*أصدقاؤه ومقربوه : تقدم أن الوالد رحمه الله كان له اجتماعات مع أصدقائه في فترة شبابه ونحن صغار ، وهذه الاجتماعات على دوائر مختلفة :
* (الأولى) الاجتماع اليومي في مزرعة الأستاذ عثمان القاضي رحمه الله والذي يجتمع فيها الأصدقاء من المساء حتى ذهاب جزء من الليل ، وربما جاءوا بأبنائهم فيلعبون الكرة ويسبحون في البرك ، فكانت من أجمل الأيام.
* (الثاني) الاجتماع الاسبوعي وذلك أن هؤلاء الأصدقاء صنعوا لهم ما كنا نسميه ونحن صغارٌ "بالصندقة" ، وهي أشبه بالغرفة المربعة الكبيرة المبنية من الحديد الخفيف الذي يسمى "الشينكو" على هيئة الخيام الكبيرة اليوم ، كان الوالد والأصدقاء يجتمعون فيها في كل ليلة جمعة ويكون العشاء على أحدهم بالتناوب.
* (الثالث) : الاجتماع الموسمي حينما تكثر الأمطار وتزهر الأرض كان الوالد والأصدقاء يخرجون برحلات "الكشتات" من ارتفاع النهار إلى المساء ، ولا زلت أذكر بعض صور التي تحكي هذه الرحلات للوالد ومن معه كنا نتداولها بيننا. والوالد رحمه الله محب للسحب والأمطار إلى درجة الهيام حتى إنه إذا أقبل السحاب من بعيد أخذ صديقه وجاره أحمد الصائغ يتلقيان السحاب إذا أقبل ، فتجود قريحته بالشعر. وللوالد رحمه الله قصيدة يتغنى بها في مثل هذه الأجواء فهو يقول :
لا شيء في طب النفـــوس * كنزهة في ضاحيـــة
أو روضــــــــــة ممطــــــــورة * مـعزولة في ناحيـة
تاه الضجيج طــــريقهــــــــــا * وسماؤها لك ساجية
فتكاد تسمع همـس نفسك * للضمير مناجيـــــــــــة
وتكاد تسمع نقر قلبــــــــك * في الضلوع الغافيــــة
وتحس وسوسة الرمـــــال * على النسيم مناغيــــة
ما أجمل الصحراء لـــــــــــــو * قالوا حياة البـــــــــادية
مهد التأمل والهــــــــــــــــوى * وقصيدة متصابيـــــــة
* (الرابع) : الرحلة السنوية ، بذهابه رحمه الله مع ثلة من أصدقائه في كل إجازة إلى لبنان لمدة شهر يزيد أو ينقص ، و في آخر سنوات رحلاته إلى لبنان قبل الحرب قال لي رحمه الله : إنه كان ينتظر نزول العقوبة على أهل لبنان ؛ لأن سب الله سبحانه وسب دينه صار شيئاً عادياً جارياً على ألسنتهم في ثنايا كلامهم ، وحكى لي رحمه الله بعض تلك العبارات الشنيعة. وقد كان رحمه الله يتحسر على أيامه في لبنان لذا كتب قصيدة سماها "لبنــان" مما قاله فيها :
لبنان ملك الناس ليس لمن هـم * نعمــــــوا بجنتــــه وما شكـروه
لبســــوا النضـــــارة والمـــــــنى * وعليــــل نسمتـــه فهل قــدروه
واليــوم وحــدي بالحنيــن بعهـده * أفــــلا أحــــنّ ولا يحــــــن بنـوه
وإذا عتبــت على ذويـــه فإنمـــــا * باللــــوم أقـــرصهم بمـا اقترفـوه
إن لم يكـونوا مثلـــــه فـي برِّهـم * فالحــق يقضــي أن أقول دعــوه
أمسيت لا أخشى أن يُمزّق تخته * أو ينطــــوي وإذا بهـــــم فقـــدوه
حســـدوا به جـــاراً يرتــل شعره * بجمالـــه وبطبعهـــم حســــــدوه
* وقد أخبرني زوج الخالة الأستاذ عبد الله النهابي أنهم كلما دخلوا على الوالد رحمه الله في سكنه بلبنان وجدوه جالساً على زاوية يتأمل الطبيعة ومعه قلمه وقرطاسه يكتب شعراً. وأما هو فحدثني رحمه الله ذات مرة عن شيء مما كان يدور في منتدياتهم الثقافية بلبنان بعد حين ذكرت له بعض المثقفين الذين انحرفوا في دينهم ، فكان مما قاله لي : إن أحد هؤلاء قال له وهم في لبنان : أنت يا أبا سامي! مثقف لكنك رجعي. ولذا قال رحمه الله في الرد عليه بقصيدة بعنوان "إلى صديق تاه عن أمر ربه" :
من لم يقده العقل بين شكوكه * نحو الإله فذاك كالنسناس
كل الحقيقة كلها بوجــــــــــوده * فليذهب الإيمان بالوسواس
يا طاعن الأديان في إلحـــــــاده * قد راج أفيون الشعوب الخاسي
الدين حق الله في ملكوتــــــــه * هو واضع الأديان والآساسي
أديانه اجتمعت إلى قرآنـــــــــــه * ومحمد فيه إمام الناســـــي
آمن بربك فهو مفتاح الهـــــــدى * والبس من الإسلام خير لباس
فهناك تصبح آدمياً عاقلاً * لا عابثاً كالمنتشي بالكأس
* فلما دمرت الحرب لبنان كان الوالد وصحبه يذهبون إلى أرض الكنانة مصر ، وأحياناً إلى المغرب ، وكان من محفوظاتي التي بقيت عالقة في ذهني منذ ثلاثين سنة بيتان من مطلع قصيدة نبطية سمعتها من فيه قالها في نهاية رحلة لمصر سكنَ في حيٍّ معروف يدعى "الدقيّ" هما :
يا شقة الدقيّ عليك السلامي * قرب السفر ادعي لنا بالتوافيق
عشرين واربع طرفن بالتمامي * انبهر الدلــــة وانتلاه بابــــــريق
* وكان رحمه الله كتب قصيدة بعنوان "رسالة الأهرام" فمما جاء فيها :
قصدت مقابــــر الأهــرام يومـــــــــاً * لأكتــــب فكــــــــــرة عــــــبرت ببــــــالي
رأيت قبور شعب في حضيــــــض * (ومنق) و(خف) و(خوفو) في الأعالــــــى
أيجـــــدر بالبنـــاة نــزول تـــــــرب * وهــــم رفــــعوا المــــقابـــر كالجبــــــــــال
عبيد الشمس تاهـــوا في حيـــاة * وبعـــد المـــــوت تاهــــوا في التعـــــــالي
يرون النـــــــاس مــن وحـل وطينٍ * وهـــــم مــــن عنصـــر عالــي المنـــــــال
فشادوا من مقابرهم صــــروحـــاً * على أشــــــــــــلاء وأكتـاف الرجـــــــــــال
فمـــــــا تحنيطهـــــم إلا جـــــــــزاء * لِمَا اقترفـــــــــــــوه أُمعــــــن بالــــــــوبال
ترى الفرعون معروضــاً مسـجـى * بأقفــاص التفـــاهــــة بالريــــــــــــــــــال
فلو سكنوا التراب وفيــــه ذابـــــوا * فمــــــا صـــــار الملـــوك لشــــر حــــــال
ولكــــن الإلـــــــــــه لــــه انتقــــام * بمــن شركــــــوه أرديـــــــــة الجــــــلال
ولو أنـــــي وجـــــدت بعصر خــوفو * جهــــرت بمــــــا اعتقــــدت ولا أبــــالي
فما الأحجار وهــــي على ضــــريح * تـــدل علـــى جــــلالتــــــه بحــــــــــــال
ولكـــني أسفــــت علــــى زنـــــود * مسخـــــــــــرة بنَتـــْهـــــــا بابتـــــــــذال
* وفي المغرب له قصيدة بعنوان "طنجة" وأخرى بعنوان "ذكرى طنجة" قال في مطلع الأولى :
رشيقة بسامة حلوة * رقيقة تعزف لحنة الصور
مضيافة بيضاء مياسة * أنسامها روح نسيم السحر
عانقتها بعد طول المدى * كنت وكانت كالندى والزهر
حيتك يا طنجة مني المنى * في غمرة الشوق وبوح الذكر

* لكن في آخر حياة الوالد رحمه الله خاصة منذ مرض والدته أقل من السفر جداً ، وأقل من مثل هذه الاجتماعات الأربعة السابق ذكرها وصار يأوي كثيراً إلى حديقته الصغيرة ، فيجتمع إليه فيها طائفة من الأصدقاء الذين يشاركونه بالشعر والأدب كالأستاذ الفاضل عبد الرحمن المساعد المنير الذي كان زميلاً للوالد في الثانوية العامة ، ثم زاملته أنا بعد وفاة الوالد بست سنوات في ثانوية ابن سعدي في عام (1415هـ) لسنتين قبل أن انتقل إلى الجامعة فكان من خير من عرفت فضلاً وعقلاً ، وكان يحمل حباً وحنيناً عجيباً للوالد رحمه الله. وذلك أن علاقة الوالد بأصدقائه علاقة تقوم على الاحترام والمحبة ، فكل من عرفه رحمه الله وصاحبه أحبه واحترمه لخلقه وتواضعه وتودده للناس وكونه موسوعة في الأدب والشعر يؤنس بذلك من جالسه.
* ومن أصدقاء الوالد القدماء الذين استحضرهم الآن وقد عرفتهم صغيراً : الأستاذ عثمان الحمد القاضي رحمه الله صاحب المزرعة الشهيرة والصديق الملازم الذي كان الوالد يكن له الاحترام حتى إنه رحمه الله ذهب في مرض موته ليعايده بمناسبة العيد قبل موته بأشهر وهو يتوكأ على عصاه ، والأستاذ الفاضل عبد الرحمن بن صالح العليان مدير التعليم السابق ، والأستاذ عبد الله الخلف الخنيني وهو من ركبّ أول مكيف صحراوي جلبه الوالد لبيتنا الطيني على قاعدة خشبية فجزاه الله خيراً ، ولا يزال يصلي معي أحياناً فأذكر به الوالد رحمه الله لأن به من أخلاقه وطبيعته ، وجارا الوالد الأستاذان أحمد بن عبد العزيز الصائغ ، وعبد العزيز بن سليمان الزيداني ، والمربي الأستاذ أبو سامي محمد السيوفي ، والأستاذ عبد العزيز العمر ، والأستاذ محمد الكريداء مدير الثانوية العامة قديماً.
يتبع (أصدقاء الشعر ) :

hael1
2009, 11:02 PM
تعديل في البيت أمسيت لا أخشى أن يمزق تختهم ........
الصواب : أمسيت أخشى أن يمزق تحتهم أو ينطوي وإذا بهم فقدوه

hael1
2009, 11:56 PM
تعديل البيت ................. ومحمد فيه إمام الناسي والصواب
.................. ومحمد فيه إمام الناس

hael1
2009, 02:28 AM
* أصدقاء الشعر : الحقيقة أنه لا أظــــن لمثلي أن يحيط بهؤلاء الأصدقاء خاصة في تأريخ الوالد القديم فهو موضوع أكبر مني ، وكذلك من كان منهم بعد رحيلي إلى الرياض في آخر أربع سنوات غاب عني الكثير من الأحداث التي عايشها الوالد رحمه الله ، وحينما تقرأ لبعض الأدباء الذين عاشوا قديماً في عنيزة ممن قدر لهم أن يكتبوا إشارات عن تأريخ أدبها فإنك تجد شذرات متناثرة هنا وهنا فتستشف منها أن هناك أموراً غائبة كثيرة تحتاج إلى خريت أدب ليجمعها من أفواه الرجال وليس لها إلا الأدباء والمؤرخون ، ولكن أين هم ؟ فانظر على سبيل المثال ما جاء في جريدة الجزيرة الثقافية في يوم الأثنين 25 /رجب/1424 العدد(29) تحت موضوع (خواطر مرسلة عبدالله بن إبراهيم الجلهم رحمهالله رتّبها وأعاد تبويبها وهيأها للنشر في المجلة الثقافية الأستاذ الدكتور عبدالكريم بن محمد الأسعد أستاذ النحو والصرف والبلاغة سابقاً بجامعة الملك سعود.الأستاذ سعد بن ابراهيم أبو معطي) حين يقول : "شارك «أبو ساطي» رحمه الله وأرضاه خلال عمله بعنيزة مشاركاتٍ أدبية بارزة في ميدان الأدب شعره ونثره ، وفي تلك الأيام كان للأدب بين الشباب جولاتٍ وصولات لم تحدَّ منها ولم تعل عليها ميادينُ" الكرة والأقدام" فكان للفقيد الغالي إسهامات شعريةٌ رفيعة وردود وتعليقات أدبيةكان يقدمها في ميدان «النادي الثقافي» طيَّب الله ذكره وعلى منصة «النادي الأدبي» بالمعهد ... وكانت لمقطوعاته الشعرية وقصائده نفحةٌ حزينة تجلو بتاريخه وتترجم آلامه ومعاناته بحيث يكون كما عبّر عن نفسه "كأنني بعد تننُّسي بها خرجت من معتقلٍ مظلم الى جنبات حديقة مورده".. شارك في النادي بقصيدته "السِّينية" التي أهداها إلى الذين يسامرون نجوم الليل والخليُّون نُوَّمُ ويتقلبون في أتون الأحزان والأسى وسواهم لا يحسون تبعات الحياة ولأدائها!!.. وقد جاء من حسن القصيدة الحراء ما يلي:
(كلَّما فاضت الهموم بكأسي
أتأسَّى وليس يجدي التأسِّي
أحتسي من كؤوسها كل صابٍ
علقم طافحٍ بآلام نفسي
كلَّما أقلعت مراكبُ منها
إذْ بأخرى أشدُّ منهن تُرسى(!!!
أثارت هذه القصيدة التي تبلغ 27 "بيتاً" زوبعة أدبيةً وفكرية تجسّدت في المعارضات الشعريّة التي أوحت بها وأيقظت شجونها .. فقد عارضها كاتب هذه السطور بقصيدة منها:
(زدني يا سعدُ من شجونك زدني
فلقد فاض بالمرارة كأسي
أنت في لجة الحياةِ مُعنّىً
بهمومٍ "وما أبرئنفسي"
فيك ما في جوانحي من وجومٍ
فضَّة الوطء مثقلاتٍ بيأسي)
وعارضهاالشاعر المرحوم الأستاذ عبد الله الحمد السناني بقصيدةٍ شجية منها:
(آه يا دهرُ قد تلقيت درسي
واعياً قبلما نعومةِ خَمسِ
قلب الدهرُ ليالمجنَّ مفيداً
حالك اللون مثل غربيب عبسِ
يا خليليَّ واطويا صفحة الحزن
فعقبى الظلامِ إشراقُ شمسِ)
وعارض الثلاثة شاعرٌ رابع هو الأديب الأستاذمحمد الحمد السليم أمير عنيزةالحالي بقصيدة مشجية لا تحتفظ الذاكرةُ منها بشيء للأسف"أ.هـ. لكن ممن أعرف وهم قليل جداً من المتأخرين :
1- الأستاذ محمد البراهيم السلمان رحمه الله الذي كان بينه وبين الوالد في آخر عمر الوالد قصائد كل منهما يشتكي للآخر بالشعر الشعبي ، ومن ذاك ما قال له الوالد في مطلع قصيدة شعبية قبل وفاته بسنة واحده تقريبًا في 28/2/1408هـ:

سر يا قلم وانشر مطاوي كنينها*في نفس محرور لحْيْــــــــد يعينهـا
لمحمد السلمـان ذرب المعاملـة* مبارك في زين الليـالي وشينهـــــــا
وفصّل لبوبراهيم ماجـرّح الحشا*ولو كان من شكواك مثلك طعينها

حتى قال :
بلاني بتال الوقت من هان واجبي* شقي نفسٍ حر خطو نذلٍ يهينها
تمثنيت بايامي بستر وسلامـــــــــة* ولا ناب ملفاها ولا ذاب حينها
وعيبي حياي وعلتي طيب الربـــا* ولي شيمة عيّت تقبـل عطينها
ربينا مع اجواد تنحوا وودعـــــوا* خلفهـم هثيـل ليتنا سابقينها
ولا صار مقبلهم مثل حاضرينهم * عسى البيض فصي ما يدورج جنينها
ولعل هذه القصيدة كانت بعد المضايقة التي تعرض لها الوالد في عمله فقدم على إثرها تقاعده بقرينة وقوعهــا بنفس شهر التقاعد ، أو لأن الوالد ــ وهو الأظهر عندي ــ أراد من شخص معروف حقاً مالياً وكان بضائقة شديدة فتطــاول عليه وواجهه بكلام سوقي قذر كما قاله لي الوالد رحمه الله بنصه ، وقد قالت لي الوالدة حفظها الله عن أيامه تلك مع هذا الرجل أنه كان لا ينام الليل وإذا نام فإنه يزفر في نومه بحرقه. ولمّا أراد الوالـد أن يشتكيه وابتدأ في ذلك لمته رحمه الله لمّا زارنا في الرياض في أيام زواجي : بأنك قد صبرت في شبابك وأحلك أيامك على أمرّ من ذلك صيانة لنفسك ، والآن في آخر عمرك تنزل نفسك منزلة هؤلاء الرعاع ، وأظنه قال في ذلك :
أنا وردة عزلاء تنفح * بالعبـير لمـن عــــــــــبر
أنا نحلة في شهدها * الممنوح قد رمت الأبر
أنا هكذا لكنـــني * في ذاك مــــوفور الخطر
فكرامتي مثل الحمى * ما مسـه غـير المــــــــطر
يا ظالمي ليس الحطا * م كـرامةً يـاذا الأشــــــــر
لكرامتي لا أطـاولك * الخصـــومة ياغُـــــــــــدَر
أنا لا أجيد كما تجيد * ولن أنازعــك القــــــذر
سأغض طرفي زاهداً * لأزيح عن نفسي الكدر
وإذا خسرت فمكسبي * شــرفي وأجــر يدّخـر
راوغ فإنـــــــــك ثعلـــــب * وافخــر فأنـت المنتـصر
ولسوف يحكــم بيننـــــــا * قــــاض له عــدل القدر
2- ابن أخت الوالد رحمه الله الأستاذ صالح الأحمد العثيمين ، الذي كتب قصيدة للوالد رحمه الله بتأريخ 12/12/1403هـ يهنئه بالعيد قال في افتتاحها : "إلى الذي تعلمنا منه كيف تولد الحروف ، وتضيء الكلمات ، وكيف تجود المواسم والفصول : الخال الكريم أبو سامي" وفي ثناياها قال :
ملاعبك الخضراء فينا خميلة * بها عالم من عالم الحبّ يصدح
أضعناك لمَّا ضاع منا طريقنـا * فكيف إلى لقياك نهفوا ونطمح
وعفوك يا سراً بليـلاتِ عمرنا * به قد عرفنا كيف نأسى ونفرح
فأنت وإن عزّ اللقـاء حبيبنـا * له في قلوب الكلّ عهد ومسرح
عرفناك في الروح الكريم وفيضها * وفي الباقيات الغَر كفّاك تمنـح
تهانيَّ يا جيلاً من الحب قـائماً * يطـير به حـبٌّ إليك مجنـحّ
فرد عليه الوالد بقصيدة منها :
تلاقت بجو العيد أجنحة الهوى * فسر اغترابي زاجل منك يفصح
ولم أدر أن العيد مرّ بخيمتي * سوى أن أوتاراً بكفيك تصدح
تنغم روحًا قد صفى فيك جوهراً * كأنغام غيث الوسم والأرض تكلح
أبا خالد ذكرت من ليس ناسياً * ولكن شراعي في مراسيه يرزح
وقد شاخت الأحلام وشخت بينها * فلا زهرة في المنحـنى تتفتـح
فأين المراعي الخضر والسحب والصَّبا * ولهو صبانا والشبـاب الموشـح
أقلب في الأسماء والعيد ناظري * فلا أبصـر المضمون والجد يمزح
3- ومنهم الأستاذ عبد الرحمن المنير المساعد الذي يجتمع معه في ديقته والذي رثى الوالد رحمه الله في مرثية تدل على شاعرية مرهفة تقدم طرفاً منها ، فقال :
عليك أبا سامي أصارع زفرة * تسوق الردى من حيث داوي طبيبها
خسرناك يا وجه المرؤة والندى * ويا رافــع الغايات عمـا يريبهـا
خسرناك استاذاً وحامل رايـة * تــدور رحاها كيف شـاء لبيبها
قرابة نصف القرن والليل شعلة * تلظـى على رأس اليفـاع لهيبهـا
تنافح بالإيمان عن مجـد أمـة * عوى مـن وراء السّد للشاة ذيبها
لعل الذي فيها سماديـر غفوة * وعمّـا قليـل تستقيـم دروبها
بأي كتاب يخفر الحفل صوته * وأنـت المعـاني ربّهـا وربيبهـا
4- ومنهم الأستاذ الفاضل الوفيّ حسين مبارك الفايز الذي رثى الوالد رحمه في مرثية منها :
كم كنت فينا أبا سامي أخا ثقة * وكنت أستاذنا إن سائل سألا
من للقوافي أبا سامي ينسقهـا * إن عنّ أمر من الأحداث أو أفلا
يا راحـلاً وعتاباً كنت تحمله * عذراً فعتبك في الأحشاء قد نزلا
راح الصحاب فكل بات منشغلاً * فما عتابك مشغولاً قد انشغلا
قد كنت أهفو إلى لقياك في أمل * إني أراك بثوب العز مشتملاً
لكنه القدر المحتوم ليس لنا * أدنى خلاص إذا ما حل أو نزلاً
5-الأستاذ عبد الرحمن العبد الله الهقاص قال أبو زياد الذي كنت أراه أيام دراستي في الثانوية العامة لكنه لم يدرسني لأنه كان يدرس القسم الأدبي في وقتي لكن كان يترامى على أسماعنا ثناء زملائنا الطلاب عليه ، فقد قال في رثاء الوالد : (عبدالله الحمد السناني (أبو سامي) الأستاذالشاعر المربي عرفته معلماً لي في المدرسه السعوديه الابتدائيه في عنيزه ثم صديقاً وزميلاً موظفاً في الثانويه العامه في عنيزه تربع على عرش الشعر الفصيح، له منهج واضح في الشعر العامي كانت الثانويه العامه شبه منتدى لتبادل الفكاهات المقطوعات والقصائد الجاده توفي رحمه الله
في أواخر الشهر المحرمعام 1409هـ ولا أقول إني أرثيه فهو أكبر من أن يحيط به رثائي ولكنها ذكرى حزينه". فكان مما قال في رثائه جزاه الله خيراً :
هو فارس الشعر هو راسه وخَيَّاله=ميدان الابداع تفخر فيه الايَّامي
الشعر باللَّهْجه الفصحى يخَلَّى له=من مِلْهِم الشعر فاز ابْسِرّالالْهَامي
بالموهبه قَيَّد التاريخ بِحْبَاله=وِبْسَاحة الشعر حَطَّم كلالارْقَامي
لو عاش في صَفْوةَ الماضي مَعَ اجْيَاله=مازاد عنه الفرزدق وبُوتمامي
والشعر في لَهْجِةَ الشَّعْبِي على باله=ان زار جَوِّه تِسَيَّد فيه الى حامي
ابن شريم ان ذكرته يِبْرِم القَاله=وابن دويرج بلا تعليق وِخْصَامي
معشعر ابو ماجد اللي صارَ له هاله=تبقى المشاهير عامٍ يَتْبِعه عامي
هو مِثْلهم فيفنون الشعر واشكاله=يَسْبِق بحُبّ العرب وِهْمُوم الاسلامي
فَقْدِه مصيبه عسى اللهيَرْحَمالحاله=وِيْضَاعف اجره ويَمْحَى عنه الآثَامي
يَفْسَح له القبر مَدَّ الشُّوف عنجاله=يارب تكتب له الرحمه والاكْرَامي
مِنِّي صلاةٍ على المختار مَعْآله=وَارْدِف سلامي عَدَد سِيرٍ بالاقْدَامي
* قصة الديوان : (يتبع)

hael1
2009, 10:59 PM
* قصة الديوان : كان رحمه الله يفكر في طباعة ديوانه ويمني نفسه دون أن يقرن ذلك بالعمل ، وهو في ذلك على مرحلتين :
* الأولى في أول الأمر قديماً فلا أدري تحديداً لماذا لم ينشط الوالد لذلك ؟ مع أنه كان يحرص في كثير من الأحيان على نشر قصائده في الجرائد المحلية ، إلا أني أعزوه لأسباب منها :
(1) أن الوالد رحمه الله لم يكن يرى من يحتفي بشعره حتى من أهل بلدته بل ربما رأى جفاءً متعمداً من البعض ، حتى إنني لمّا حدثته ــ وأنا في مقيم في مدينة الرياض ــ بعودتي لعنيزة نصحني بعدم العودة معللاً بأمر لن أذكره ، وفحواه أنك إن أردت النجاح فكن بعيداً عن عنيزة ، لكني رجعت بعد موته رحمه الله لأجل والدتي حفظها الله. وحتى في المهرجانات الأخيرة كرموا شعراء قد لا يسير بعضهم في مضمار الوالد رحمه الله في الشعر والثقافة والمكانة ، إضافة إلى أنه كان لسانهم وخطيبهم في المجامع الكبيرة في حياته كما ذكرت في أول الترجمة ، لكني عزوت السبب هذه المرة ــ والله أعلم ــ لكون المسؤول عن تنسيق التكريم في المهرجان له موقف سيء مع الوالد رحمه الله كما سمعته من الوالد رحمه الله حين كان هذا الرجل مسؤولاً في الشركة التي تولت بناء بيت الوالد ، وهو البيت الوحيد الذي بناه في حياته ففرح به ، ثم لم يلبث إلا قليلاً حتى تقشرت صبغته وتشققت جدرانه بشكل عميق ، ومات رحمه الله بحسرته والبيت على هذه الحال لأنه لم ينته معهم إلى حل. وفي مثل هذا الأمر يقول الوالد رحمه الله بقصيدة جزلة بعنوان "الأمانة والإنسان" :
ما كل من حمل الأمانة صانها * يا ويحها كم كذّبت إنسانها
قُتلت كرامتها وكلُّ يدّعــــــي * عند التظاهر سبقه فرسانها
ولطالما انخدعت بعصمة مدعٍ * حتى إّذا بلغ المآرب خانها
(2) كذلك أذكر أنه رحمه الله قال لي ذات مرة عن بعض القائمين على الصفحات الأدبية في الصحف : أنهم كانوا يتثاقلون وربما يمتنعون عن نشر شعره ، مع أن بعض القائمين عليها من عنيزة آنذاك. فلعل هذا مما زاد في إحباطه. وبعضهم سامحه الله ممن تقلد بعد وفاته رحمه الله الدعوة لطبع ديوانه على صفحات الجريدة ، لكن بعدما أضاعوا صاحب الديوان في حياته.
(3) كذلك ما كان منه رحمه الله من نقص الخبرة في أمور الطباعة تلك الأيام مع قلة ذات اليد التي كانت حاجزاً في كثير من أموره التي كان يخطط لها في الشعر وغيره.
(4) أنه رحمه الله كان يحتقر نفسه كثيراً ، ولذا لمّا عرض عليه بعض طلاب الماجستير أن يكتب عنه رسالة أكاديمية أبى رحمه الله متعللاً بأنه لا يرى نفسه أهلاً لذلك.
* أما في آخر حياته فعرض له أمر جديد وهو خوفه من أن يكون في شعره ما يلحقه إثمه بالآخرة ، ولذا كان يكرر كلما سأله أحد عن طبع ديوانه أنه سيراجعه لإعداد ما يصلح للنشر منه ، فقد ذكر الأستاذ الدكتور حسن الهويمل في جريدة الجزيرة بتأريخ 7/4/1409هـ بعد وفاة الوالد رحمه الله برسالة نشرت في الجريدة أنه سبق أن عرض على الوالد رحمه الله ذلك فقال : (تبلغ النادي خبر وفاة الشاعر عبد الله الحمد السناني رحمه الله ، وبما أنه مــــن الشعراء المعدودين في شعراء المملكة والبارزين في منطقة القصيم ، وقد سبق وطلب النادي من الراحل نشر شعره فوعد بإعداده للنشر.."أ.هـ. وفي مرض موته زاره في المستشفى العسكري أحد شعراء عنيزة الشباب آنذاك وهو من سكان الرياض أظنه الأخ الأديب "السماعيل" إن لم تخني الذاكرة ، فطلب من الوالد رحمه الله أن يخرج شعره لأجل أن يطبع في ديوان فقال له لوالد بما معناه : إذا عافاني الله تعالى ، فسأعد ما أرى نشره ، وأحرق ما لا يصلح ، فقال له الأخ : لا تفعل يا أبا سامي! لأجل أن تدرس مراحل شعرك كلها ، فقلت له أنا : إذا كان الشاعر يقول في الغضب ما يخشى أن يلحقه أثمه في الآخرة فما تفيده دراسة شعره ، فسكت. وكان الوالد رحمه الله يكرر عبارة عزمه على تنقيح شعره كلما سئل عن ديوانه في آخر حياته ، بل لاحظت أنه كان يحرص على تنبيهي بأن لديه قصائده في الزهد والرثاء فرأيت أنه يعرض لي بنشرها ، فأشرت على الدكتور طارق الحبيب وكان طالباً آنذاك فأجرى معه حواراً نشره في حينه في رسالة جامعة الملك سعود ، ثم في مقالة بعنوان "السناني في ذمة الله" في الجزيرة في العدد "5828" في الأول من شهر صفر سنة (1409هـ) ، وفي شعره يقول الوالد رحمه الله مشيراً لما قدمت من الجفاء الذي شعر به :
هاكم شعري رصينا * حاولوا أن تقرؤوه
ولكـم فيــه خيـــــــار * ولكم أن ترفضوه
فإذا جاز لديكــــــــــم * فاقبلـوه وافهموه
وإذا لـم تقبلــــــــــوه * فعلى الرف ضعوه
ربما يخلق قـــــــــومٌ * ســرهم أن يقتنــوه
في زمان أو مكـــــان * قولهـم لا فــــضّ فوه
كم أديب ساء حظــــاً * بين جيل عاصروه
ذنبه جاء أخيـــــــــــراً * دون ركب سبقوه
أو أتى أسرع سيراً قبل جيلٍ خلـــفوه
* أما المقالات والكتب : فليس للوالد رحمه الله كتباً ألفها ، وإنما أعرف أن له مقالات كتبها وأذيع بعضها في الإذاعة نشرت إحداها "صحيفة الجزيرة" يوم الأثنين 1/8/1426هـ بعنوان "الدين الإسلامي هو الدين الأوحد" جاء فيه : "ولقد كانت بعض بلادنا النجدية قبل أن يأتي إليها المرشد العظيم الشيخ محمد بن عبد الوهاب شبيهة بها قبل الإسلام فهي مضربة تملؤها الفوضى ويكتنفها الشرور وتسيطر عليها النزعات الجاهلية المحضة، فحين قرّ الدين في روعها واستنارت به حصاتها تطورت تطوراً عجيباً فأنجبت العلماء الأفاضل والحكام الراشدين، وعم الأمن والوئام، وفي بلادنا اليوم والحمد لله أكبر برهان على ذلك فهي تتمتع بما جعلها محل غبطة كل البلدان العربية وغيرها وما ذلك إلا بفضل الدين على أيدي القائمين بخدمته والساعين إلى اتخاذه كدستور سماوي خطير كامل. فما أجدرنا أيها السادة المستمعون أن نحتفظ بديننا الذي هو عصمة أمرنا وأن نحوط ملكنا بسياجه المتين فلقد ذاق بعض أسلافنا وجل حاضرنا بإضاعة الأمرين فلم يحوزوا الدنيا ولم يحفظوا الدين، فتوالت النكبات وواجهتهم المصاعب التي لقي آباؤنا من قبل أفدح منها فذللوها بفضل إيمانهم وتغلبوا عليها مع أنهم لم يصلوا إلى بعض قوات وعدد الوقت الحاضر، فمصروا الأمصار وفتحوا المدن ورفعوا علم الإسلام على مفرق كل عاصمة وحصن، ولقد يصاب الأعداء من رعبهم أعظم مما تبعثه اليوم المدافع الرشاشة والثقيلة والدبابات والقنابل الخ، وكان موقف خصومهم وما أسوأه من موقف بين أمرين : إما أن يعتنقوا الإسلام ويتركوا أديانهم وما ذلك عليهم بيسير ، وإما أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون. أفلا يجب أن تتحرق القلوب من الأسى إذا أبصرنا أن المادة انعكست فطغت المبادئ الفاجرة التي إنما تعمل لإشباع نفوس شيطانية تعرت من الأخلاق والفضائل ومقومات الحياة الحرة الطاهرة وانبعث بها أشقى دعاتها ، فما هي إلا أن دوت في الخافقين فوجدت آذاناً مصغية وقلوباً خالية فتمكنت بسويدائها، واختلطت بشرايينها. ولسنا نخاف على الإسلام أن تنطفئ شعلته فإن نوره هو الغالب وهو الصامد الباقي إلى قيام الساعة كما أن له أنصاراً يعضون عليه بالنواجذ ويزيدهم طغيان من سواهم قوةً واستمساكاً، ولكننا نخاف من كثير ممن لم يرزقوا ثباتاً روحياً وعقولاً سليمةً حرةً تصمد بنفسها أن تخدعهم تلك المظاهر الخلابة فتجد من نفوسهم ميلاً وقبولاً لها فيصبحون فيما بيننا بؤرة فساد وشلل، فهم بذور التفرقة وعنصر الخلاف وإن كانوا متجنسين بجنسنا ، ولكنهم في الواقع أشد خطراً من الأجانب البعداء." فرحمه الله كأنه يتحدث عن واقعنا اليوم.
والظاهر أنه لو تتبع أحد هذه الكتابات للوالد في الصحف وغيرها لوجد أكثر لأن الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام عضو هيئة كبار العلماء رحمه الله وهو المؤرخ الكبير وصف الوالد رحمه الله في كتابـه "علماء نجد في ثمانية قرون (2/88) بأن له كتابات بليغة حين قال : "فصار من كبار شعراء نجد المعاصرين ، وكان اطلاعه وإدراكه من كثرة قراءته وملازمته الكتــب المفيـــدة في القراءة الحرة ، وزاول المترجم مهنة التدريس فصـــارر محبوباً من زملائه ومن تلاميذه لحسن أخلاقه وكمال سلوكــــه وطيب حديثه ، ولـــــه قصائد جيـاد ، وكتابـــات بليغة"أ.هـ.

hael1
2009, 07:31 AM
نأسف للتأخر وننشر اليوم مساء الجزء الثامن بإذن الله

hael1
2009, 04:11 AM
* من تأثر به الوالد في شعره : لا يستطيع أحد أن يحدد من هو الذي أثر على الوالد رحمه الله في شعره إلا بإخباره هو ؛ لأنه رحمه الله كان نهماً في قراءة الشعر العربي في عهوده المختلفة من جاهلي وإسلامي وأموي وعباسي ومعاصر ، فلا شك أن هذه القراءة الواسعة صاغت لدى الوالد رحمه الله أسلوباً يجمع بين الأصالة والمعاصرة في الشعر أهلته لأن يسميه الدكتور الأسعد ـ كما تقدم ـ (أمير الشعر المعاصر) ، فانظر إليه رحمه الله وهو يحيي أحد الشعراء العراقيين ممن وفد إلى عنيزة فمدحها وهو محمد جاسم الكفكير ، فرد عليه الوالد بقصيدة طويلة من عيون الشعر عارض قصيدته قال في مطلعها :
حيتك نجد صباها أو ندى ماهــــــا * ورندها وعبير في خزاماهـــــــــا
واستقبلتك مهود الشعر باسمــ * كأن نــور أقاحيهــا ثنايـاهــــــــــا
وجلجلت زغردات من مضاربهــــــا * كأنما عروة قد زف عفـــــــــراهـا
واجهشت بنداها روضـــــــــــة أنف * كأدمع كان ذوب الشعر معنــاهـا
وترجمت فرحة اللقيا لضرتهــــــــا * فجاوبتها هي الأخرى بفحواهــــا
وربوة بثت النجوى لجارتهــــــــــــــا * فأصبح الروض من روض يلقاهـــا
بأن "مربدها" أوحى لشاعــــــــــره * أن يلتقي بحما "الفيحاء" عكاظاها
وتلك أسطورة في سحر معجـــــزة * "الرافدان" أطلا من مراياهــــــــــــا
"هزار بغداد" اسعفنا ببوتقــــــــــــة * من "سحر بابل" إذ تشدو بليلاهــا
كيما نصوغ قوافينا مجنحـــــــــــــــة * وتجتلي الحس والإلهام دنياهــــــــا
"عنيزة" وهي في لقياك هانئــــــة * "خنساء" لا تبــرح الأشجان ذكراهــا
ما كان أعقبها لقيا واقصـــــــــــــرها * كذاك قصر ساع العمر أحلاهــــــــــا
أكرومة من يد الدنيا فقد حدســــت * من قبل مقدمكم أنا شكرناهــــــــــــا
حتى قال :
أبا عصام وللأشعـار نسبتهـــــــــــــا * وشيجة قد تلاقينا بقرباهــــــــــــــــا
إن المعارف في أهل النهى ذمــــم * نرعى فضيلتنا أمًّا رعيناهــــــــــــــا
إنا لنأمــل تجــــديدا لزورتكـــــــــــم * إن الكريم إذا ما زار ثناهـــــــــــــــــا
غادرت باريس نجد والخطا قـــــــدر * إلى بلاد روى التأريخ مغناهـــــــــــا
فاقرأ سنابك "زيد الخيل" في أجــأ * واقرع على حاتم الطائي سلماهـــا
وسوف تلقى كراماً ثم قـد ورثـــــوا * نـــدى وأنديـــة طلقــاً محياهــــــــــا
قومــاً يــرون لزامـاً حـق ضيفهــــم * سجية وكريم الطبع غذاهـــــــــــــــا
أبلغهم عن بني "الوادي" تحياتهـم * قصيدة تجمع الأحباب نجواهـــــــــــا
عنيــزة لــك يا كفكـــير عاشقــــــة * إن الغــرام الذي أغراك أغراهـــــــــا
قد أوكلتــني أن أشدو مشاعرهــا * وكل مـن يهب الأقدار يعطــاهـــــــــا
وقد بثثتك عن بغـداد في كلمـــــي * صبابـتي وسألـت الملتـــقى اللــــــه
وهكذا أحكم التأريخ دورتــــــــــــــه * فنحن في عالم العشاق صباهـــــا
* ولقد أبان الوالد رحمه الله أعجابه الشديد بالشاعر "المتنبي" مما يدل على تأثره الشديد والمتناهي به في قصيدة سماها "المتنبي" نذكر منها قوله :
ياسرير البيان يا صهوة الشعر * وبوح النضوج في ريعانه
قبل ميلادك الكلام انتحال * وسواسية بشد عنانه
واقتحمت الميدان تحدوا إماما * فتجلى الأستاذ في فتيانه
أنت روضـت للمعانـي القوافي * والمعــــاني بأســـرها لبيانه
وسماء الوجدان حلقت فيــــــه * حين تاه الإبداع في وجدانه
كتب الدهر فيك أطروحة الفخـــ * ــر فأنت الأستاذ في مهرجانه
سيدي بيننا الزمان طـــويل * وصـــداك المُــرنّ في إرنانه
لم تزل بيننا تعيــش وتعطـي * موسمًا والقرون ضمن أوانه
أنت قلب الإنسان في كل عصر * ومكان تنــوب عـن خفقانــه
كل بيت كأنمـــا شــع تـــــــواً * كالسلاف المقصور من أغصانه
* لكن ظهر ــ كذلك ــ تأثر الوالد رحمه الله بأبي العتاهية شاعر المواعظ والحكم خاصة في قصائده الأخيرة ، فقد ذكر الدكتور طارق الحبيب في مقاله القديم عن الوالد أنه أخبره رحمه الله : إن أعظم بيت أعجبه هو بيت أبي العتاهية :
وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد
ولذا يظهر للقارئ لأول وهلة هذا التأثر في شعر الوالد رحمه الله في قصيدته التي قال فيها :
وهل خالق الأكوان يحتاج حجة * على ذاته في أن يراه المعاند
له في كل شيء بالجلالة شاهد * على أنه حي عظيم وواحــــد
لكم ضل هذا الطين في أمر ربه * فلم ينفعل بالنور والطين جامد
وفي قصيدة أخرى عنونها بـ "الله" يقول رحمه الله :
يقول المرء هل للكون رب * وهل كون يكون بغير رب
وأية صدفة جاءت بخلـــــق * عجيب دون تدبير ولبِ
أراهم للظواهر ألهــــــوهـا * وأعينهم رأت من غير قلب
وما شرط المهيمن أن نراه * ولكــن في بصــائرنــــا نلــبي
وهذا الكون يدعونا إليــــه * لتعرفه العقول بغير حجب
* أغراض الشعر عند الوالد رحمه الله : هنا يحسن أن نجيب على ثلاثة أسئلة من أسئلة الإخوة الطلبة عن بعض أغراض الشعر عند الولد رحمه الله : الأول : لماذا كان مقلاً من شعر الغزل ؟ الثاني : هل له قصائد هزلية ، الثالث : هل يقول الشعر الشعبي المسمى بالنبطي : فأقول قبل الإجابة : إن الوالد رحمه الله لم يكن يقول الشعر ترفاً أو فناً كما يفعله غيره ، وإنما كان الشعر عنده رحمه الله رسالة تعبر رأيه في الأحداث التي يعيشها وتعيشها أمته ، ولذا فغالب شعره في قضايا الأمة كتسلط اليهود على فلسطين أو الرافضة على الحرم كما تقدم ذكر بعضه ، أو في التأوه لضعف الأمة وقوة أعدائها ، ولذا فحال الأمة كثيراً ما يصاحبه في شعره فانظر إليه على سبيل المثال وهو يقول :
فكم أرهب الأعداء عملاق أمتي * لذا عاجلوه في صباه لكي يثنى بما عنى
وهم ملكوا كل الأمور فكلمـــــــا * أراد قوام الحـــــال لم يبلغ الشأنــــــــــــا
وقد ركزوا في أرضه من كيادهـم * عوائق بثت في عزيمـــــــته الوهنـــــــــا
عصور ظالم نامهـــــــا ثم بعــدهـا * صحا وإذا بالقيد في جيله قنــــــــــــــــــــا
وغالب جرح القيد حينـــا ولم يــزل * إلى ألان بعد العتق لم يخلــع القطنــــــــا
فيارب إن كان الهوان جزاءنــــــــــا * فمَنْ بين أهل الأرض لــم يعصِ ومِنَّــــــــا
فعاقبهم دون اعتراض بذلهــــــــم * وقوتنا بالحق كي يقصــــروا عنَّـــــــــــــــا
فما نحن إلا أشقياء تمـــــــــــــردوا * ولم يبلغوا في جدِّ رشدهم السِّنَّـــــــــــا
و لاتجعل الأشياع تمخــــر بيننــــــا * يبادل بعض بعضنا البأس والضِغنـــــــــــــا
أقوام مقام العَوْذ من جاهليـــــــــة * على مستوى الدولات تطحننا طحنــــــــــا
بقومية أو مذهب أو سياســـــــــــة * لها نعرات تقتل العقل والذهنــــــــــــــــــــا
إليك إلهي آهة كم حبســـــــــــتها * ولكنها فاضت تناشدك الحسنــــــــــــــــى
فأنت الذي أكرمتنا بمحمـــــــــــــد * وبالبيت فاشمل منه أصقاعنا آمنـــــــــــــاً
فقد نزلت في الأرض منك مشيئة * تزلزل تدبير الجبابر لا تُثنــــــــــــــــــــــــى
نشاغلهم يارب حتى يســـلمـــــوا * إلى (قيس) أهل القدس بغيته (لبنـــــى)
* ويقول في قصيدة بعنوان "عرج على أطلال يعرب" :
عرج على أطلال يعـــرب * وأذرف على عدنان واندب
لا تــبكـها مـن قـلــــــــــة * الدار والأهـلون أرحــــــــب
إبك السجايا والأنــــــوف * الشم والحسب المهــــــذب
إبـك الأصـالة بعــــــد أن * طارت بها عنقاء معـــرب
وإبك الحياة بسيطــــــــــة * لكنها (شرف) ومطلــــب
يشدو بها الراعي الصغيـر * على ترنم كل مضــــــــرب
أواه قد صدىء الحديـــــــد * وكان كالشلال مذهـــــــب
خمدت براكين الإبـــــــــــاء * وعهدها كانت تلهـــــــــب
وترهل المهر الجواد وغاب * فارسه المجــــــــــــــرب
كغياب موسيقى الصهيــل * على ارتجاز فتى مدرب
حـتى تطـاول للحـمــــــى * ذئـب وسـنور وثـعلـــــب
وعلى فراش الغافلــــــــين * تعانقت أفعــى وعقرب
طـلع المذنـب والخرافــــة * في تهافتها تكـــــــــــذب
لـكنـها فــيمـا بـــــــــــــدا * أمست على الحبلين تلعب
لا لن أصدق أو أكـذب * كــل طالـعـنــــا مـذنـــــــب
يا أمتي كـم تقـرئــــــــــين * وما جدى ما كان يكتب
أمسى الكتاب اليعربي * كسفر عجم لم يعــــــــــرب
لـيت القبـور رفـاتهـــــا * كالروض يلوي ثم يخصب
لـتعـود دولـة أمـــــــــة * غربت وما خلقت لتغرب
أواه لو تجدي الشجون * مقالتي أواه تنحــــــــــــب
مـاذا أقـول بـواقــــــــــع * الوقت من كفيه يسلب
عـجبي إلـى متفائــــــل * ومن التشاؤم صرت أعجب
* وكذا كان رحمه الله ينتقد أحداث تقع من بعض الناس ناصحاً ومرشداً كالرجل الذي ذهب للندن ونثر الدراهم في الشارع فلما عوتب قال : أردت منهم أن يركعوا لنا كما أركعونا فقال الوالد رحمه الله :
لو شدني عجب لأعجبني الـــذي * نثر الدراهم في شوارع لندنـــــــا
مـــــا بين قوم لم يروهـا ســــبــة * أن ينحنوا كالانحناء على الجنــــى
لم يحضروا للشرق لو لم يركعـــوا * للمال وابتكروا المهازل عندنـــــــا
شعب يرون من السذاجة فعلـــــه * من ذا الذي يطأ النقود وما انحنى
ما ضرهم إن زغردوا أو صفقـــــــوا * ودعوا لحاتمه المبجل بالمــــــــنى
أدلى بفلسفة ترود خيالـــــــــــــــه * وكأنما حسب الرقيّ بما عنـــــــى
من أركعونا دورهم أن يركعــــــــــوا * يا سيدي ليس التشفي من هنـــا
أنسيت أنك في ربوع بلادهــــــــــم * كنز يوزع في مصارفها الغنــــــــــى
تسعى برجلك سائحاً متعشقـــــــاً * فتبادل العَرَض الرخيص بأثمنــــــــا
هم ينتجون وأنت سوق نتاجهــــــم * هم يعرضون وأنت تشري مذعنـــــا
مهما امتعضت ففي فؤادك عقـــدة * جعلتك تحقر لو زعمت الموطنــــــــا
يا حاتماً لو كـان ما ألقيتـــــــــــــــــه * في مصنع أو صرح علم يبتنــــــــــى
وأخذت من عدوى القبيح حصانة * ونقلت عنهم في الحياة الأحسنــــــــا
عظمت بلادك في عيون دهائهـم * فرأوك أقرب ما تكون تمدنـــــــــــــــــا
ميزان عقلك ما تقوم ببذلـــــــــــه * فاقصد تكون ذاك المهيب الأرزنــــــــا
ما كان أرسلك الإله إليهـــــــــــــم * من دون قوم كي تكون المحسنـــــــا
إياك في سفهائهم أن تقتـــــــدي * فلجدهم كانوا بزعمك أفطنــــــــــــــا
فخناهم حرية وحضــــــــــــــــــارة * لكنها بالأجنبي من الخنــــــــــــــــــــا
لو أنت تحمل بينهم جنسيـــــــــــة * صحبوك رغم الانتماء ملونــــــــــــــــا
لا تحسبن أدب المصالح فيهـــــــم * من أجل شخصك بل لدغدغة الغنــى

hael1
2009, 03:58 AM
*الوالد والشعر الشعبي : لقد كان الوالد رحمه الله كسائر أبناء عائلته من أعمام وإخوان وأخوات وأبناء عم حتى والدته رحمهم الله يجيدون نظم الشعر الشعبي المسمى "بالنبطي" ، لكنه كان من الشعراء القلائل الذين جمعوا الإبداع في الشعر بقسميه الفصيح والنبطي ، وكان مشتهراً بذلك رحمه الله ، ولذا لما ترجمه الشيخ محمد بن عثمان القاضي في كتابه "روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين" قال : "وكان خطاطاً فائقاً في حسنه للخط والوضوح تختاره على الطباعة ، وشاعراً بارعاً لا يجارى ، تـــرجم لــه عبد الله بن إدريس ، وكان إماماً في الأدب والشعر عربيّه ونبطيه"أ.هـ وقد تقدم قول الأستاذ أبي زياد عبد الرحمن العبد الله الهقاص وهو شاعر نبطي فحل عن الوالد رحمه الله حين قال : "تربع على عرش الشعر الفصيح ، له منهج واضح في الشعر العامي". وكان مما قال في رثائه :
هو فارس الشعر هو راسه وخَيَّالــــــه = ميدان الابداع تفخر فيه الايَّامـــــي
الشعر باللَّهْجه الفصحى يخَلَّى لـــــــه = من مِلْهِم الشعر فاز ابْسِرّ الالْهَامي
بالموهبه قَيَّد التاريخ بِحْبَالـــــــــــــــــه = وِبْسَاحة الشعر حَطَّم كل الارْقَامي
لو عاش في صَفْوةَ الماضي مَعَ اجْيَاله = مازاد عنه الفرزدق وبُو تمـــــــامي
والشعر في لَهْجِةَ الشَّعْبِي على بالــه = إن زار جَوِّه تِسَيَّد فيه الى حامي
ابن شريم ان ذكرته يِبْرِم القَالــــــــــــه = وابن دويرج بلا تعليق وِخْصَامي
مع شعر أبو ماجد اللي صارَ له هالــــه = تبقى المشاهير عامٍ يَتْبِعه عامي
هو مِثْلهم في فنون الشعر واشكالــــه = يَسْبِق بحُبّ العرب وِهْمُوم الاسلامي
* لقد كان أغلب قصائد الوالد التي يحتفظ بها من الشعر العربي لأنه غالب شعره الذي يعبر به عمّا في نفسه ويوافق طبيعته ، وأما الشعر النبطي فنادراً ما تجده بين أوراقه ؛ لأن الغالب عليه رحمه الله أنه لا يقول هذا النوع إلا في حالتين : إما لأن الذي يريد أن يطارحه من أصدقائه أو يرد عليه ممن لا يحسن إلا هذا الفن ، أو لكون كثيراً من أصدقائه وأقربائه الذين يجالسونه يلقون البيت والبيتين من النبطي فيرد عليهم من بنفس النوع ، والغالب أن هذين القسمين : إما أن تكون في الصدور ، أو في السطور عند من يكتب لهم ، ومما أذكره وأنا في المرحلة المتوسطة في بيتنا المستأجر "بيت عايد السريع" في حي "أم الخوابي" والذي أشتراه الوالد بعد ذلك ، فلما بنى بيته في "حي الفيحاء" باعه على ابنة عمه بسعر رخيص مراعاة لحالها وزوجها ، في ذلك البيت الطيني جاءنا ابن عم الوالد الشاعر النبطي المشهور المكثر عبد الله بن عبد العزيز السناني رحمه الله ذات يوم وتغدى وقال ذلك اليوم ، وكان الوالد يراوده لأجل أن يزوجه وتكفل له بالمهر والمرأة ، ثم لمّا جاء العصر وصعدت لابن عم الوالد لأجل الصلاة قال لي وهو مهموم : قل لأبوك ماني متزوج. وكان قد أعد أبياتاً يشكر الوالد على ما قدم ويعتذر عن ذلك ، فلما حضر الوالد ألقاها عليه ، وأخذ الوالد يجيبه شعراً ، فصّار كلمّا قال أحدهما بيتاً أجابه الآخر حتى اكتملت قصيدة (ردّية) جميلة ، وكان ابن العم رحمه الله يحفظها إلى عهد قريب قبل موته ، لكني مع الأسف لم أكتبها عنه. ومن محفوظاتي لقصيدة طويلة قالها الوالد رحمه الله لما جاء تثمين مجزي للبيوت في أحياء عنيزة قديماً في وسط البلد ووقف بعض الناس ضد ذلك بحجج غريبة فوتت على البلد خير عظيم وبقيت تلك البيوت إلى اليوم ندوب في تحديث المدينة ، وكان من الممكن أن يتغير اليوم وجه وسط المدينة بشكل غير الواقع الذي نراه اليوم ، فممـا أذكره من مطلع القصيدة وهي موجودة لكن لا أطولها الآن :
تعبرّت والدنيــا تعبر ســـرايرهــــــا* تبيح على المخلوق ما جاء بخاطرها
يشب الوليد ولا درى عن طبوعهـــا* وإلا شاب ما كن التجاريب خابرها
تعجبت من بعض اللحى بان شيبها*وهي في مجال اللعب شهب صوابرها
* ومــما توقعه رحمه الله في القصيدة تلك الأيام حينما كانت عنيزة لا تتجاوز شارع الملك عبد العزيز "الرياض سابقاً" شرقاً ، وكان "الصنقر" الذي فيه خزان الماء وهو الآن طرف حي المطار الجنوبي جبــــل لا سكن فيه ، حتى حي الصالحية لم يبن بعد ، فأشار مكبتاً من لا يرى في الدنيا إلا حارته ذات الشارع الضيق الذي ذكر رحمه الله في القصيدة : (أنه لو يشد الحبل ينشب بعايرها) ، حين قال في أحد الأبيات :
(لكني أشوف الدار تبهل شطورها * تهايق على روس الصناقر عمايرها ) ،
و لم يمت رحمه الله حتى رأى العماير تهايقت على روس الصناقر ، بل ذهبت وراء ذلك بعيداً من كل جهة ، بينما بقيت تلك البيوت القديمة شاهداً على عداوة بعض الناس لأنفسهم.
* ومن ذلك قصيدته للشاعر النبطي المجيد الأستاذ محمد البراهيم السلمان رحمه الله التي قدمت أنه قالها يتأريخ 28/2/1408هـ قبل وفاته بأحد عشر شهراً في رجل تطــاول عليه بكلام قذر وواجهه بكلام سوقي لّما أراد منه حقاً مالياً وربما تمالأ معه قوم آخرون ، فقال في تقديمه : إلى أخي الأستاذ الكريم محمد البراهيم السلمان مع التحية :
سر يا قلم وانشر مطاوي كنينها * في نفس محرور لحْيْـد يعينهـا
لمحمد السلمـان ذرب المعاملـة * مباريك في زين الليـالي وشينهـا
وفصّل لبوبراهيم ماجـرّح الحشا * ولو كان من شكواك مثلك طعينها
سهرت ومسحت الدمع واخفيت شكوتي * ولا شل جفني كود أذى مسلمينها
وضاقت بي الدار الوسيعة وخاطري * لفقد رجاجيل يثيبك عوينهـــــا
والأرض غير الأرض فينا تبدلـــت * عليها قروده تاخذه في يمينهــــــا
لها صولة والحظ معها مساعفـه * على جيفة الدنيا تهزهز سنينهـــا
ربت مع دبشها واكتست من طبوعها * وشيماتهم وسلومهم جادعينها
وعزيل شذان الحمايل من النقا * بمكبوشة ما خوذها مستحينهــــــا
بوقتٍ ميادين المراويس للرّما * فلا خبنة إلا وهم كاسبينهــــــــــــــــا
طلت بالسواد وجيههم قلة الحيا * ومرواتهم بثيابهم سالحينهـــــــــــا
وللمال عبّاد وللغدر والـردى * ذيابة غداري هدته محتزينهـــــــــــــــــا
فلا يدفنون الميت إلا بعمولة * قبل ما يوسد باللحد قابضينهـــــــــــــــا
يصيدون بالغرة محل ومحرم * ولا يشبع بطون الضواري سمينهــــــــا
وما حل بيديهم حرام لغيرهم * حلال لهم هذي تفاسير دينهـــــــــــــا
فلو خليّت الكعبة سبوها عباتها * ولو بير زمزم بايعوا واردينهـــــــــــــا
حصاني إلى ذلوا كلاب إلى ارتجوا * ولا بالزقرتي طمعة مرتجينهــــــا
وشخوا على نار الحمية وتفلوا * وغنوا على نار الردى موقدينهـــــــــا
معان الشيم والمرجلة عزلوا بها * ولكن على دسعاتهم فاتحينهـــــــا
إلى قلت جاء الحظ جتني فزوعهم * نطاطيقهم عند اللزوم مرهفينها
ولى صحت فيهم تنتخي صرت مرتخي * فذانهم ما ينفذ الصوت طينها
وياليت تسلم من ندوس ومبلغ * بوصط المجالس سيرتك حايقينهــــا
يغبون عنك الراي والنصح كنهم * مع القوم فيك الهايعة محترينهــــــا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلاني بتال الوقت من هان واجبي * شقي نفسٍ حر خطو نذلٍ يهينها
تمثنيت بايامي بستر وسلامـــــــة * ولا ناب ملفاها ولا ذاب حينهـــــــا
وعيبي حياي وعلتي طيب الربــــا * ولي شيمة عيّت تقبـل عطينهــــا
ربينا مع اجواد تنحوا وودعـــــــــــوا * خلفهـم هثيـل ليتنا سابقينهـــــــا
ولا صار مقبلهم مثل حاضرينهــــم * عسى البيض فصي ما يدورج جنينها
اقوله واخص اللي عنيته ولا خلت * بلاد الحمايا من ضنا خيرينهــــــــــا
جذبت القلم والطرس وامليت ما احتضر * وقدمت لك خوخ السريرة وتينها
ولو كان ما تشاد ولا شك همتــك * عزوم على قاس الحوادث ولينهــــا
تهيضت لك حيثك مجرب وضامرك * حزين يهيضك النبا من حزينهـــــــــا
عسى مقبل الأيام تلفح بغيبهـــــا * ولا يقطع الله به رجا حالبينهــــــــــا
وحنا بفضل الله بخير ومعــــــــــزة * سفينة حماية ربنا راكبينهـــــــــــــا
فلا نعمة إلا بها شاكرينهــــــــــــــا * ولا شدة إلا بها صابرينهــــــــــــــــــا
هي النفس لا ضاقت وذا من طبيعته * حشا تشكي الله لا اشتكت مجرمينها
غذاها المفاكر في تصرف حوالها * وسلوى المذاكر لا لقت رايفينهــــــــا
وانا بعت من صغري على الناس شرهتي * مع اللي فوايد عملته مشترينها
ودير الروابع كيف دار تغيـــــــــرت * تجول العقارب ما بهم كاتلينهــــــــــا
تمر الحذا من حولها ما تمسهـــــا * لك الله ما كنّ العرب عارفينهــــــــــا
تخزز قريصه حربته فوق غاربـــه * مع الناس بالطوشه تقل والفينهـــــا
* الوالد رحمه الله وشعر الغزل : كان الوالد رحمه الله مقلاً من شعر الغزل لطبيعة تربيته الدينية التي ربته عليها والدته رحمها الله وبقيت آثارها حتى موته في حياته وشعره ، مع ما كان يشغله من هموم أمته وما حلَّ بها من نكبات. ولعل لنشأة اليتم التي عاشها وما تبع ذلك من حياة الكفاف في شبابه أثر في ذلك كذلك ، لأن تلك النشأة الشاقة التي يلمحها كل قارئ لشعره لم تجعل له رحمه الله أن يعيش عيشة شعراء آخرين معاصرين له ، لذلك لما ذكره صـاحب كتــاب "شعراء نجد المعاصرون" عبد الله بن إدريس وعمره رحمه الله آنذاك دون الثلاثين ، قال عنه : "شاعر جيد إلا أنه مقل ، وتعوزه الأجواء الملونة". أضف لذلك معارضة هذا الشعر لطبيعته التي خلقه الله عليها من الجدِّ والعقل والنظر لحقائق الأشياء لا لظواهرها. فلقد تزوج رحمه الله على والدتي قبل أن أولد بسنيات ، فما لبث إلا أن طلق الأخرى وأنا حملٌ ولم يتزوج بعدها ؛ لأن فلسفته التي وصل إليها : أن النساء في جوهرهن واحد وإن اختلفن في الظواهر كما قال صلى الله عليه وسلم فيما روى الترمذي وأصله في مسلم : "إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ مَعَهَا مِثْلَ الَّذِي مَعَهَا" ، ولذا فها هو يقول في إحدى قصائده :
تغزلت لا عن غــــزل * ولكن ليرضى الأدب
فما الحب من عادتي * فما صح عندي سبب
أاهدر قلبي هـــــوى * لإغراء زيف البشــــــر
فما الحسن إلا وثـــن * كما كوكب أو حجـــــر
سأبقى أحب الوجود * ففيه صنوف الجمــال
وأرفض حب الجسوم * بغير تمــــــــام الخلال
أحب الوجود الجميــل * وصولاً إلى المبــــــدع
فما بعد حب الإلـــــــه * سمـــو لقــلــب يعــي
وإن جاذبتك الطبـــــاع * فمن عقلك المستشار
فحب الطباع اشتهاء كذلك حب الحمـــــــــــــــار
* الوالد رحمه الله وشعر الهزل : ينسحب كذلك على هذا النوع من الشعر ما ينسحب على شعر الغزل في سبب إقلال الوالد منه رحمه الله ، إلا أن هذا النوع يقع عنده أكثر من شعر الغزل خاصة مع أصدقائه المقـربين ، ولا تبقى هذه القصائد في أوراقه لأن الغالب إرسالها لمن يعنى بها لأنه رحمه الله لم يكن يبيض قصائده ، وقد ذكر الدكتور طارق الحبيب في مقاله القديم في صحيفة جامعة الملك سعود أثناء حياة الوالد رحمه الله فيما أذكر قصيدة له عربية الكتابة خليلية الوزن أفرنجية الألفاظ قالها رحمه الله في أحد أصدقائه المقربين فلم يبق في ذاكرتي منها إلا ما عيره به من التلون مداعباً حين قال له : (أنت في نجد حنبلي في الخليج أبو حنيفة) ، ومن قصائد الوالد في المداعبات يخاطب ضرسه الذي صبر عليه لكنه قلعه أخيراً حين يقول (باختصار بعض الأبيات) :
خسرتك ياأعز الأصدقـــــــــــــاء * وكنا مجمعين على الصفــــــــاء
أسارع للطبيب ولست أرضــــى * إذا هو قال خلعك من شفائــي
إلى أن حل بي ما لسـت أقـــوى* وصــرت عليّ من أدهى البــلاء
وذات صبيحة وجهت وجهــــــي * وليس المركـــــــز الصحي بنــاء
وأعطيت الطبيب قرار نفســـي * بخلعـــــــك إذ لجــأت إلى عدائي
لقد سموك ضرس العقل حقـــاً * فقد طيــرت عقلي في الهبــــاء
ولم أجـــــــد الذي قالوه علمـــاً * فإطلاق الشمـــــــول من الهــراء
حباني الله أربعــــــــة بفكــــي * فما أصبحــــــت من أهــل الدهاء
صحبتك من صباي وذاك عمـــر * ولم نوجـــــد جميعــــاً للبقـــــــاء
وقلعك في الحقيقة موت بعضي* فكــــــــن لبقيتي كبش الفــــداء
وفيتُ وخنتَ فاسمع صدق شعري* بــــــــلا ذم صــــراح أو رثــــــــــاء
* وقال في قصيدة بعنوان "مراضع الحليب"
شحت ثدي نساء الحي عن ولــد * فاستبدل الناس من ألبانها العلبـا
فاستبقر النسل إن العرق ذو أثـر * ومثلــه اللــــبن المرضوع كم جذبا
فكم رأينا من الجامــــــوس خالته * أو خاله الثور فاسترعى بنا العجبـا
يلقاك غــــــــير مبـــال لو بجبهتـه * قرنان شدّ على جنبيك فاختضبـا

hael1
2009, 04:49 AM
* أفضل ما أعجبني من قصيدة أو بيت: من من أحسن ما أعجبني من روائع شعر الوالد رحمه الله ما قاله في قصيدة بعنوان "يقولون" وهي في مرض والدته رحمها الله والتي كان مطلعها :

يقولون كيف الحال ؟ قلت كعهدكم * وتكفي حال من صحب المرضى
حيث ختمها رحمه الله ببيتين من روائع الشعر فقال :

سنصدق لولا قسوة في قلوبنا * ونبصر إن ناب الزمان لنا عضــــاً
وكم وعظتنا يوما بغيرنــــــــــا * وفي ذات يوم سوف تجعلنا وعظاً

* وكذلك ما جاء في قصيدته التي عنونها بـــــ "عرّج" ، والتي كان مطلعها :
ش
عرج على أطلال يعرب * واذرف على عدنان واندب

فقد ختمها برائعة من روائع الشعر حين قال :

ليت القبـور رفـاتها * كالروض يلوي ثم يخصب
لتعود دولـة أمــة * غربت وما خلقت لتغـــــرب

* أما أحسن القصائد في نظري فهي قصيدته التي مضى طرفها في رد تحية أحد الشعراء العراقيين ممن الشعراء العراقيين ممن وفد إلى عنيزة فمدحها فرد عليه الوالد بقصيدة طويلة من عيون الشعر عارض بها قصيدته فقال في مطلعها :

حيتك نجد صباها أو ندى ماهـــــا * ورندها وعبير في خزاماهـا
واستقبلتك مهود الشعر باسمــة * كأن نــور أقاحيهــا ثنايـاهـــا

* وقصيدته في رثاء الشيخ سليمان بن عبد الله النعيم رحمه الله التي قال في أثنائها :

والموت في هذي الحياة بدايـــــــــة * ونهايـــة لبداية ما أقصــــــــــــــرا
نأسى على الموتى ونحن وراءهــم * نطوي على جسر الحياة المعــبرا
نسهو ونلهوا بالحطـــام تهافتـــــــــاً * ومتى استهام القلب لن يتبصـــرا
لو زار زائـــرنا المقابــــــر واعيـــــــــاً * لأعاد تقييم الأمور وقــــــــــدرا
جثث تمـــــــــور ثيابهــــــــا أكفانها * فـوق التــراب وأخــتها تحت الثـرى
تنساق للأمــــل الخـــــدوع كأنمــــا * أخـذت بتمــديـــد الإقـــامة محضرا

* ومن ذلك قصيدته التي قالها رحمه الله في مرض موته والتي مطلعها (ستأتي كاملة) :

تضاحك دار عند ميلاد قــــــادم * نذير بكاء سوف يبعثه الفقـــــــد
وان عمرت دار تبسم معــــــول * وغازل من أحلام فرصته السهد


* وفاته رحمه الله ومرضه : كان عام (1406هـ) هو عام الحزن بالنسبة للوالد رحمه الله حيث فقد اثنين من أحب الناس إلى قلبه ، أحدهما والدته رحمها الله التي فقد معنى الحياة بموتها لولا بقائه داعياً لها كما قال في بعض شعره ، والثاني هو الشيخ سليمان بن عبد الله النعيم رحمه الله الذي مات قبلها بيسير وكان إماماً لمسجد حيِّ الفيحاء الأوسط وكان عابداً زاهداً محبوباً بين الناس ، فرثاه الوالد رحمه الله في قصيدة مطلعها :

آل النعيم مضى القضاء كما جرى * بفقيدكم حسب الرضـــا أن يؤجـــــرا
ودعت فيـه مع الأحبـة عابــــــــداً * حــــــــق الزمـــــــــان بمثله أن يعذرا

حتى قال رحمه الله :

ولقـــد ألفــــت المـــوت في أمثـــــاله * وفقــدتهـــم واعتــــــدت أن أتــــــذكرا
أحببتـهم منـــــذ الطــفولــــة والصبا * ولـدى الكهـولة صـار وجدي أكبـــــــــرا
فقـــد الرجـــال الصالــحين خسارة * فهم المعالــم في الطـــريـق لمن ســـرى
وحيــــــاتهم للمقتــــــدين سكـــــينة * فإذا مضــــوا وجــــم المكــــان وأقفــــرا
تتضــاعف الحسرات فيمن ركبـــــه * عن شــــأو ركبـــهم المجلـــي قصــــــرا
غالــــبت دمـــــعي والفــــراق مرارة * لا لــــــــوم للمحـــــزون أن يســتعبـــرا

* وبوفاة هاذين العزيزين على قلبه رحمه الله تغيرت حياته فاكتسى وجهه بمسحة حزن لا تفارقه ، وصار يفكر بالموت والاستعداد لآخرته بشكل أكبر ، وكان ذلك أحد أسباب تقديمه لتقاعده الذي لم يعش بعده إلا أحد عشر شهراً إذ أحس رحمه الله بشيء من الألم فراجع في مستشفى عنيزة العام القديم فترة ثمينة بلا طائل فأحالوه على المستشفى التخصصي ببريدة الذي وجهه سريعاً إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض ، وبعد الكشف عليه رحمه الله دخل عليه أحد الأطباء ممن نزعت الرحمة من قلبه فصدمه بأن أخبره بإصابته بمرض سرطان القالون وأنه منتشر ، ومع أن للموقف رهبة تلمحها في قسمات وجهه ذلك اليوم فقد تماسك رحمه الله فصبر عند الصدمة الأولى ــ ولله الحمد ــ فلم يقل إلا ما يرضي الرب عزوجل ، وعبّر ذلك في قصيدته التي قالها قبل خضوعه للعلاج الأول بالعمــــل الجراحي الذي قرره الأطباء لاستئصال الجزء المصاب والذي لم ينجح في وقف المرض ، فقرر الأطباء الانتقال للعلاج الكيمائي الذي استمر معه حتى قبل موته بقليل ولم يؤثر ولله الحمد في شعر رأسه أو لحيته التي كست عارضيه ، لكنها أبقت جسمه عظماً دون لحم ، وحين ذهبنا به في أول شهر محرم لموعده في المستشفى ، قال الطبيب : لا أمل له ، ولم يبق له إلا أياماً معدودة. فرجعنا به إلى عنيزة. وفي يوم الأربعاء التاسع عشر من محرم تأزم وضعه ودخل المستشفى وهو في غيبوبة كان يفيق منها مرات دون وعي كامل فيردد كلمة : "جت الصلاة ؟ أبصلي" فيبدأ في الصلاة ثم لا يكملهـــــا رحمه الله ، ولقد رأيت الطبيب قبل موته بيوم رحمه الله يغرز إبرة كبيرة الحجم جداً في رئتيه من جهة ظهره فيستخرج منهما سوائل كثيرة لأن المرض وصل إليهما فصعب عليه التنفس جداً ، حتى إذا كان في صباح يوم الجمعة الموافق للحادي والعشرين من شهر محرم سنة (1409هـ) في الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة أسلم روحه إلى بارئها ، فبادرنا بتغسيله وتكفينه ، وقدمناه للصلاة بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير بعنيزة ، فشيعه جمع كثير جداً من أهالي البلد ، وأثنوا عليه خيراً كثيراً مما أنطقهم الله به من خير والناس شهداء الله في الأرض فلله الحمد والمنة ، وكان رحمه الله قال لي قبل موته بخمسة أيام وقد أحس بدنو أجله : أرجو الله أن يجعل موتي في يوم جمعة ، فأعطاه ربه ما تمنى ، وجمع الله له من الأجور : أن مات بمرض البطن الذي من مات به مات شهيداً كما جاء في الحديث ، وأنه كان ولله الحمد صابراً على ما أبتلاه ، ثم مات في يوم فاضل صلى عليه جمع كبير في صلاة الجمعة أرجو الله أن يكون قد قبل شفاعتهم فيه وأوجب ثناءهم عليه. ومن فضل الله على الوالد رحمه الله أن الله أمهله ما يقارب سنة بعد معرفته بمرض موته ؛ لأن تأخير الأجل مع الإحساس بدنوه نعمة من الله على العبد الصابر خلافاً لموت الفجأة من وجهين : أحدهما : أن ذلك يكون تمحيصاً لذنوبه ورفعة لدرجاته ، وفي الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَــالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ). الثاني : ليعيش لذة العبادة والتذلل والخضوع والاطراح بين يدي الخالق جل وعلا فيلقى الله وهو على حال يحبها الله له ، ولذا لمّا قال بعض الإخوة للوالد رحمه الله وهو يصلي القيام واقفاً في آخر رمضان أدركه ، أي قبل وفاته بأقل من أربعة أشهر وقد أنهكه المرض : لو صليت جالساً يا أبا سامي! فقال له رحمه الله : بل أصبر ، وما يدريني فلعله آخر رمضان أصليه ، وله رحمه الله قصيدة أظنها قبل مرضه بعنوان "وداعاً يارمضان" قال فيها رحمه الله :
بكيت على الفراق ولا أعاب * فلو حزني يخففه احتساب

فهل ألقاك يا رمضان حيّـــــــــاً * وفي نفسي التنسك والمتاب
فقد كنت الصديق يزور غبًّــــــا * وتزويه الأهلة والغيـــــــــاب
زمانك للنفوس ربيــــــــــع روح * به في النور تتسع الرحــاب
كأن العام هاجرة وجـــــــــــدب * وأنت صبا المرابع والربـــاب
به تصفو القلوب على التجلـي * وتسبح نحو خالقها الرغـــــاب
على القرآن تنبلج الخفايـــــــــا * فآذن النفوس لها انسيـــــــاب
بقلبي منك يا رمضان بــــــــرحٌ * فعيدي رغم فرحته اكتئـــــاب
لقاؤك كالطيور المهاجــــــــرات * تمر وفي عزيمتك الذهـــــاب

* ثم لنختم هذه الترجمة له رحمه الله بقصيدته التي كتبها بعد معرفته بمرضه الأخير وقبل دخوله لغرفة وقبل دخوله لغرفة العمليات لإجراء عمليته الأخيرة ، فنعى رحمه الله نفسه مسلماً ومؤمناً بما قدره ربه تعالى فقال :
تضاحك دار عند ميلاد قادم * نذير بكاء سوف يبعثه الفقـــد
وإن عمرت دار تبسم معــــــــول * وغازل من أحلام فرصته السهــد
تخادنا حلــوى الأمـــانى مثلمــــا * يهدهــد طفــــــل إذ يهز به المهـــد
ويكسو بنا عين البصـــــيرة برقع * فلولاه لم يقدم على عمــــل جهــــد
نصارع فوق الأرض أمر حيــاتنـــا * وللعيش بحر طبعه الجزر والمــد
وما نحن الا نبتـــــة موسميــــــة * وزرع سيطوي كل أطواره الحصــد
وما عمر الأجيـــال إلا موحـــــــــد * إذا جف عمر جاء رافده بعــــــــــد
وما قصر الأعمار الا تحــــــــــــول * لأخرى لتحيا الأرض والعمر ممتد
تذوب وقودًا للحياة نفوسنـــــــــا * ومن منجم الأرحام يتصل الرفـــــــــد
فلم أر إلا حكمة الزهد حيلـــــــة * ليخلص مـن أوجاع أطماعه عبــــــد
وما الناس إلا عاملان فبعضنـــــا * لبعض صديــق في سريرتـه الحقـــد
وذاك شقي أنهك الكد جسمـــه * وهذا سعيــــــد داؤه عيشه الرغـــــــــد
وليس رضياً في الحياة كلاهمـــا * ولكن فقر المرء يفضلـــــه الوجــــــد
يسيل لمعشوق الثراء لعابنـــــــا * ولم ندر أن السم يستره الشهــــــــــد
قضى الله للإنسان ماهو كائــــن * ويغــــرم بالأحـــــلام ليس له حـــــــــد
فقل لقوي اليوم ضعفك في غـد * كما أن ضعف الأمس في غده الرغــــد
يقلب رب العرش أحوال ملكـــــه * فليس لنا فيما قضى ربنــــــــــــــــا رد
* فهذا البيت (يقلب رب العرش أحوال ملكـــه فليس لنا فيما قضى ربنــــا رد) هو آخر بيت قرضه الوالد الحكيم رحمه الله رحمة واسعة وجعله في الفردوس الأعلى ووالديه وزوجه وذريته والمسلمين أجمعين. والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبت هذه الترجمة في ليلتين انتهتا في صبيحة اليوم التاسع من شهر جمادى الثانية لسنة ثلاثين وأربعمائة وألف إجابة على أسئلة موجهة من طلاب بحث التخرج في كلية اللغة العربية تحت إشراف الدكتور إبراهيم المطوع جزاه الله خيراً. والحمد لله رب العالمين. ثم راجعتها وزدت عليها يسيراً.
كتبه : د.عصام بن عبد الله السناني

hael1
2009, 04:53 AM
سأحاول بإذن الله بعد نهاية سيرة الجد للدكتور عصام حفظه الله وجزاه خير الجزاء بأن أنزل سيرة الراحل رحمه الله من كتب التراجم خاصة كتاب ابن إدريس "شعراء نجد المعاصرون" لاشتماله على بعض القصائد