اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طلال
شعراء من التاريخ : الاصمعي الصغير الشاعر عبدالله بن ابراهيم الجابر
عنوان مقال في العدد التاسع عشر( تقريبا ) لمجلة فواصل . يكاد يكون طَرَفة بن العبد البكري أشهر شاعر مات شابا في مقتبل عمره ، و اجودهم شعرا ،
كيف لا و هو من الطبقة الأولى من فحول شعراء العربية ، و كيف لا و هو من اصحاب المعلقات ،
تلك الروائع السبع أو العشر التي علقت في أذهان الناس و صدورهم لروعتها ، فسميت المعلقات ،
و كيف لا و قد شهد له بالتقدم الشاعر المخضرم و الصحابي الجليل لبيد بن ربيعة العامري
- رضي الله عنه _ و ذلك حينما سُئل عن اشعر العرب فقال : الملك الضليل ، ثم الشاب القتيل ..
و يعني بالشاب القتيل طرفة بن العبد ، لأنه قتل شابا في السادسة و العشرين
من عمره في قصة مشهورة ، و الملك الضليل هو امرؤ القيس بن حجر الكندي ،
و مطلع معلقة طرفة :
لخولة أطلال ببرقة ثهمدِ ..... تلوح كباقي الوشم في سائر اليدِ
و لكن هل ظهر في شعراء النبط الأوائل شباب ماتوا في مقتبل عمرهم ،
و بلغ شعرهم غاية الابداع ؟ و أثروا الساحة الأدبية بروائع البيان ؟ .
دعونا نستنطق الأدب الشعبي و الرواة و مجاهل الجزيرة و معالمها علنا نظفر
بشيء من اخبارهم و آثارهم و لنعد بذاكرتنا الى الوراء .
في مدينة عنيزة و في اواخر عام 1270 هـ ولد طفل اسمه : عبدالله بن ابراهيم الجابر ،
و الجابر اسرة تتفرع من اسرة الخويطر التي تنتمي نسبا الى قبيلة بني خالد .
نشأ هذا الطفل في اسرة محافظة و كغيره من الاقران تعلم مبادئ القراءة والكتابة
و حفظ اجزاء قليلة من القرآن . و لكن هذا الطفل زاد عن اقرانه بشدة ذكائة وقوة حافظته
و سرعتها و بمحبته العميقة للشعر و لسماعه و حفظه و روايته .
كبر هذا الفتى و كبر معه حبه للشعر، اصبح في الرابعة عشرة من عمره ، واصبح
حب يلامس فؤاده ، و يدخل كيانه ، و فجأة و هو في الطريق قابل فتاة ترفة حسناء
صغيرة ضامرة القد ، اختلبت قلبه ، و شغلت عقله و قلبت كيانه ، فهذى شيطان
شعره بقصيدة زائية هي أول ما قاله في حياته من الشعر :
تزلزل عقلي اللازي ...... و ذهني و انطمس ميزي
و ذاب القلب ومّازي ...... و راح السد تمليزي
على غروٍ كما الجازي .... بحزم الحزل ما حيزي
يكبر و يكبر شعره ، و ينحى نحو ابن لعبون في بعض اشعاره التي ابتكر
اوزانها و اشتهرت فيما بعد باللعبونيات .
ناحت حمامه بصوت سجوع ...... لمولع القلب نحابي
يامال حرٍ كتف هليوع ....... يفرق شعب كل حطابي
ذكرت ألينٍ و لون ربوع .... يبكي على لاما الاحبابي
والله لولا الحيا لافوع ....... و اقمز بوضح الانيابي
و جو العلي المذكور في قصيدته في مكان في ضواحي عنيزة و قد صب الشاعر
سوط عذابه عليه لأن محبوبته لم تجد فيه مكانا يظلها ، حيث يقول :
ياعل جو العلي للخسوف ....... عسى الصواعق يهدمنه
و قد اغضب هجاؤه امير عنيزة زامل السليم لأن له في هذا الجو بستانا يقال له ( هلاله )
و استدعاه ليعاتبه ، فجاء اليه شاعرنا ، فلما نظر الامير اليه فإذا هو شاب صغير
في مقتبل عمره ، لم يتجاوز السادسة عشرة بعد ، فتعجب اشد العجب
ثم لامه هجائه للجو ، فرد عليه ابن جابر على الفور
قلت قولٍ يوم مانيب الصحيح ..... و العقل و الراس ماهن بالصحاح
العجب لله لو اني متيح ......... كيف اسب الجو و ارضى بفتضاح
جونا ما يستحق الا المديح .... هو ربيع قلوبنا لو هو متاح
عندها رضي عنه الامير زامل و اعجب به و بجودة قريحته ، و سرعة بديهته
وشدة ذكائة و حسن اعتذاره ، فأكرمه و اقبل عليه يحادثه و يلاطفه ، و بينما هما كذلك
إذ اقبل الى مجلس الامير شاعر نجد الكبير محمد العبدالله القاضي _ فيما يروى _
و بعد السلام أخبره انه كتب قصيدة جديدة صبيحة هذا اليوم و انه لم يطلع عليها احد
و ان اول من سيقرأها عليه هو الامير زامل ، و استأذنه في قراءتها فأذن له ، فلما
شرع القاضي فيها قاطعه شاعرنا ابن جابر و قال موجها الحديث الى الامير زامل :
لقد كذب عليك ايها الامير و زعم ان هذه القصيده له و انها حديثة العهد ،
فهي قديمة لشاعر معروف و انا احفظها كاملة ، و اخذ في اكمالها حتى بلغ نهايتها ،
فإذا ما سرده في حفظه موافق تماما لما عند القاضي . و بدأت نظرات الريبة تخرج
من عيني زامل موجهة احيانا الى القاضي و احيانا اخرى الى الجابر ،
والقاضي يقسم بالأيمان المغلظة انها من بنات افكاره و انه ما كتبها الا صبيحة
هذا اليوم و انه لم يعرضها على احد قبل هذه اللحظة .
إن القاضي صادق اللهجة ، التفت الى ابن جابر و قال له : سألتك بالله إلا اخبرتني
بحقيقة الامر ، فأخبره ، فقد كان القاضي يكتب قصيدته تحت ظل نخلة في إحدى مزارع عنيزة ،
و كان ابن جابر يشتغل في المزرعة نفسها و يفلح بالقرب من هذه النخلة وكان القاضي
اذا نظم بيتا ردده بصوت مرتفع مرة او مرتين قبل ان يكتبه ليختبر جودته و سلامة وزنه ،
فسمعه ابن جابر و حفظ القصيدة . و يقال ان الامير زامل قال لجلسائه حينما
خرج من عنده هذا الفتى الشاعر : والله لن يعيش هذا الفتى طويلا ، فعقله يأكل عمره .
و صدق حدس الامير و مات شاعرنا شابا صغيرا لم يتجاوز الحادية و العشرين من عمره ..
رحمه الله و غفر له
ذاع صيت شاعرنا و انتشر في الآفاق ، و اصبح الناس يتناقلون اخباره واشعاره .
حتى وصلت الى امير حائل محمد بن عبدالله بن رشيد 1315 هـ الذي اشتهر بالعدل
و التدين و الكرم و الشجاعه ، و كان شاعرنا ابن جابر معجبا بهذا الامير اشد الاعجاب
و له في مدحه قصيدة رائعة تعتبر من روائع شعره و تبلغ ( 64 ) بيتا يقول في مطلعها :
بدا باليرا من عايق البين عايق ...... ينمق بيوتٍ للفداريز لايق
و يمضي فيها الى ان يصل الى ممدوحه :
احملك يا نجاب لا عاقك النيا ...... سلامٍ عدد زهر زها في حدايق
و اتوج من العنبر مع المسك الاذفر .... و احلى من السلسال في ريق ذايق
و الذ من القرقف على فاقة الضما ...... بيوم يثور لابث الما حرايق
وله في مدحه ايضا نونية جميلة تبلغ ( 33 ) بيتا مطلعها :
عوجوا روس هجن من عمانِ ...... سليمان المناسم و التفاني
على الدار اوقفوا لي لين انمق ..... بصفح الطرس ما عدل لساني
و منها في ممدوحه :
عسانا يا اهل العيرات نلفي ...... بعد درب السلاق و الاماني
على شيخ طغى باقطار ملكه .... لعله ما يزلزله الزماني
و لقد كرق شاعرنا كثيرا من ابواب الشعر كالحكمة و الغزل و الرسائل الاخوانية ،
و له قصيدة قافية رائعة ارسلها الى الشاعر عبدالعزيز بن محمد القاضي يشتكي
فيها لواعج الغرام و يصف محبوبته اروع الوصف بأرقى عباره و اجود معنى :
يا مل قلبٍ من هوى البيض منعاق ...... في سجن دينٍ عند الاحباب ماسوق
غروٍ شغف قلبي على العمر لحّاق ..... دوبه يسل الحال سلال ساروق
جاش الغرام بجاش من كض ترياق ... خكر الهوى و اختل عمري على الشوق
يا يوسفي الزين حوري الارناق ...... يا جادلٍ سلّف من الريم بفروق
و أخيراً ، و بعد حياة قصيرة ، و قصيرة جدا ، مات شاعرنا في ريعان شبابه
في الحادية و العشرين من عمره عام 1292 هـ رحمه الله و غفر له
ملاحظة :
البيت الذي هجا فيه شاعرنا جو العلي ( هلاله ) لم يورد في المقال الاصلي
وانما ذكرته انا هنا لتتضح الصورة و هو :
لعل جو العلي للخسوف .... عسى الصواعق يهدمنه
طلال |
* * *
قال روح التميمي :
هذا مقال نقله زميلنا طلال إلى مجلس ابن قاضي في منتدى مجلس عنيزة بتاريخ 24/2/2001م
ونحن ننقله هنا لعلاقته الوثيقة بهذا الموضوع .