أبو حمد .. (الجزء الثاني)
من سمات أسلوبه الجنوح إلى قلب الصور , يقول :
رمى عصا الترحال عقب الكلافة=وأومى يبي من دلة النوم فنجال صبّه لهوجاس لزم له وضافه=وعينس تراعي شفّها بين الأزوال والمعروف أن الدلة والمقصود بها القهوة يُلجأ إليها للإفاقة وإزالة النوم لا لجلبه ! ومن قلب الصور عنده أيضا قوله :
العذاب ارتويته من ثمايل جفاك=والعزا بك لقيته بالمواقف طريح
والثمايل وهي المياه المتجمعة تكون عادة للارتواء لكنه استعملها هنا للعطش وهو الجفا ! وفي قوله :
خذ فرح عيني وعطني مدمعك=لا .. خذ اللي تهتوي وأمرك مطاع
قال الدكتور سعد الصويان : إنه اختصر تعابير الفرح والحزن في العين وحدها هنا ! ولأبي حمد قصيدة قصيدة غزلية عذبة التزم فيها مالايلزم , فجعل كلمة القافية في الشطر الأول هي نفسها في الشطر الثاني مضافا إليها الألف مثل (اليوم / الأيام ـ قدوم / الأقدام ) وهكذا , يقول :
ياعيدي اللي فات وياعيدي اليوم=أزرت بعيد الدار تدنيه الأيام أسري على طرياه وأرجي له قدوم=مع دربٍ من العام تاطاه الأقدام ولسليمان قصائد لا يمكن أن يتجاوزها القارىء أو يمر بها مرور الكرام .. قصائد تشعر بها قلبا يتفرّى من الألم , ويذوب من الحسرة , قصائد تسيل على حروفه دماء الشرايين , وتلفها دموع الوجد , على خلفية من موسيقى الأنين والنشيج يقول :
مجروح أنا يابنت الأجواد مجروح=تكفين توّ الجرح لا تقربينه ! هونك على قلبٍ من شوي مذبوح=ذبّاحته باسم الوفا ذابحينه ! دوبه ينازع بس ما سلّم الروح=بين الحنايا يصطفق من حنينه ! وله قصيدة يسميها أصدقاؤه (الشيخة) وهي حقا شيخة , يقول مطلعها :
ياحمود لا تنشد عن الحال وتسال=أظن مالك من جوابي مصاليح
ومنها :
لا تكشف المستور ياطيّب الفال=يغنيك عن ذكر التفاصيل تلميح ارفق على قلبٍ مغلّق بالاقفال=لا عاد به حيلة ولا له مفاتيح البال به ضيقة من القيل والقال=والضيم سيفه بذّح الكبد تبذيح ياحمود ما والله بقى شي ينقال=ولا بقى بالهرج راحة وتفريح ومنها :
ياحمود كلٍّ يلبس شماغ وعقال=والفرق مع طيب النبا هبّة الريح كلٍّ يرى نفسه مع الناس رجال=لو هو من اللي بالرزايا سوابيح ومنها :
المرجلة ماهي سواليف وفنجال=وإلا ولايم دسّمتها المفاطيح المرجلة شيمة وقومات وإقبال=وأفعال تبقى لليالي مصابيح ومن قصائده التي أخرجتها كبد مشتعلة قوله :
ياراحتي عطني يمينك مدّها=خذ غايتي وإن ما صفت لك ردّها جيتك وقلبي بالحسايف منتهي=والروح بفراقك حشا ما ودّها . . إلخ هذه رحلة سريعة في عالم الشاعر المبدع سليمان العليان حاولت أن أعرض فيها صورة حقيقية عن سليمان الإنسان والشاعر , وأن أغوص فيها على شغاف قلبه لألتقط صورا حية لطبيعة تفاعله مع الحدث العاطفي . لم يطبع له ديوان , وهو شاعر مهمل , يكتب القصائد على أوراق ويتركها إما في السيارة أو في جيبه أو في مكتبه .. وربما نسيها , وبعد تركه الوظيفة , وانشغاله بالأعمال الحرة أصبح أكثر انشغالا وإهمالا , ولكن لعل ابنه حمد الذي ساعدني على تكتيفه وإقناعه بالنشر أن يحفظ قصائده , وقد وعدني بأن يرسل لي كل القصائد مكتوبة لأجل أنشرها هنا . وللجميع تحياتي كتبه روح التميمي * * * (فيما يلي كلمة سبق أن كتبتها تقديما لبعض قصائده) صديقي الشاعر الكبير العذب الساحر/ سليمان الحمد العليان , قد لا يعرفه الكثيرون مع أنه عند التصنيف يقف في طابور الدرجة الأولى من شعراء عنيزة الشباب ( يستاهل أبو حمد !) , لكنه ولشديد الأسف ربما يكون غير معروف بالنسبة للكثيرين من متذوقي الشعر الأصيل , والسبب يعود إلى سليمان نفسه لأنه يقول الشعر ويبقيه في أدراجه , لاعن فلسلفة خاصة ترى الخصوصية في الإنتاج , ولكن لعدم المبالاة والاهتمام بالجانب الإعلامي , ولأنه كثير الانشغال وهو يعتقد أن النشر فيه الشر , وهو غير مستعد لتبعات الشهرة . . طلبت منه قبل سنتين أن ينشر فوعد وأخذ يسوف ( وإيه وإن شاء الله . . ومن هالتصريفات ) . وليلة الخميس الفائت (كتب هذا الكلام في شعبان 1426هـ)زارنا في الاستراحة, وقضينا وإياه سهرة خضراء , تنقلنا خلالها قي بساتين إبداعه , وحلقنا معه في أجواء من الخيال الحالم الساحر . . وأعدت عليه الطلب القديم وطلبت منه أن يزودني ببعض القصائد لأنشرها أنا بنفسي في ها المنتدى , وذكرته بواجبه الوطني تجاه بلدته , فأخذ شيطان امتناعه يترنح حتى أجهزت عليه ! فوعد وفي ظني أنه يريد التخلص من الموقف بلباقة . . لكنني لم أمنحه الفرصة فاتصلت به بعد يومين مذكرا بالوعد , فلما أحس الجد هذه المرة , قال وكأنه يتجرع السم : (خلاص عندك حمد <ابنه>خذ منه اللي تبي)! ولما كان من الغد اتصل بي حمد مستبشرا متهللا , وقال : ماذا فعلت للوالد ! أنا منذ سنوات وأنا أحاول معه وهو يرفض . قلت : رقيته هذه المرة برقية العقارب ! فأفلحت وآتت ثمارها فأعطني ما لديك وأسرع قبل أن يغير رأيه ! |
مشكور
|
الساعة الآن 03:19 AM |
Powered by vBulletin V3.8.11. Copyright ©2000 - 2025, Tranz By
YsOrI
اصحاب عرب
الحقوق محفوظة لشعراء عنيزة 2004-2024