عرض مشاركة واحدة
قديم 2009, 06:06 PM   [1]
hael1 hael1 غير متواجد حالياً
عضو جديد


 





hael1 hael1 غير متواجد حالياً
عضو جديد


 






*حياته وصفاته : ولد رحمه الله سنة (1351هـ) كما هو مثبت في حفيظته التي احتفظ بصورة منها حتى اليوم ، وفيها جميع أبنائه وأمام كل منهم ما عدا الصغير إشارة الإلغاء (x) إما لزواج أو لاستقلال ببطاقة. ولكن الشيخ محمد العثمان القاضي يصر على أن الوالد رحمه الله ولد قبل ذلك بسنتين (1349هـ) ، وتبعه على ذلك الشيخ عبد الله البسام في ترجمته للوالد ، ولقد نشأ الوالد رحمه الله يتيماً إذ توفي والده وله أربع سنوات فربته أمه طرفه الصالح الخنيني رحمها الله على الدين والخلق إذ كانت رحمها الله عاشت في بيت الشيخ علي بن محمد السناني فنهلت من معين علمه وتربيته ، وكانت أديبة أريبة حكيمة تقرض الشعر الشعبي وتكثر من رواية الحكم والمواعظ. ثم تعلم بعد ذلك على يد المربي صالح بن ناصر آل صالح فاستفاد منه في صقل موهبته الأدبية ، قال الشيخ عبد الله البسام في "علماء نجد في ثمانية قرون (2/88) : "ولد المترجم في بلدة عنيزة عام 1349هـ ونشأ فيها وتعلم في مدارسها النظامية ، حتى تثقف ، وصار ملماً من كل علم وفن بطرف إلا أن ميوله إلى الناحية الأدبية شعراً ونثراً . وحصل على شهادة الكفاءة وأكثر من ملازمة مثقفي مدينة عنيزة مثل الاستاذ صالح بن ناصر آل صالح ، فدرس عليه في المدرسة الابتدائية العزيزية ، واستفاد منه ، فقد وجهه إلى الأدب الرفيع والذوق العالي ، كما عدّل بنانه بحسن الخط وجودة الإنشاء ، فصار من كبار شعراء نجد المعاصرين"أ.هـ وفي أستاذه صالح آل صالح يقول الوالد رحمهم الله :
حنانيك أستاذي فما أنا ناكر * جميلك إني فيك كالمغرم الصب
تعاهدتني في الزهر كما مغلفاً * وفتحته بالسقي من نبعك العذب
تفتحت في أحضان كفك زهرة * تضوع أريجاً عن شمائلك الحدب
فلولاك ما اهتزت غصون وأثمرت * وكنا بوحل الجهل من عفن الترب
* وكان الوالد رحمه الله طويلاً باعتدال يميل إلى السمرة قليلاً ، تعلو على محياه هيبة تبدو للناظر من أول وهلة ، وكان حليماً وقوراً حيياً ذا تؤده يبتسم دون ابتذال أو علو صوت ، تعد كلماته في المجلس الذي يجلس فيه لقلة حديثه وكثرة إنصاته لمن يتكلم ، فإذا تكلم لا يمل السامع حديثه. وكان رحمه الله ندي الصوت في قراءة القرآن ، عجيباً في استحضار الآيات في مظانها من المصحف. وكان رحمه الله رجّاعاً إلى الحق لا يأنف من إبداء الملاحظات عليه حتى وإن كان ذلك من أحد أبنائه ، فإني لا أذكر أني ناقشته في أمر قرنته بالدليل الشرعي إلا فاء وسمعت استغفاره. فمن ذلك أني وإياه كنّا في مجلس الجدة والدته رحمهما الله وأنا في بداية دراستي الجامعية فجرى ذكر بعض ما حصل بين معاوية وعليّ رضي الله عنهما فجرى على لسانه رحمه الله شيء مما ذكرته بعض كتب الأدب ، فانتقدته رحمه الله لنقل هذه العبارة التي تنقلها عادة كتب الأدب "كالعقد الفريد" ممن عرف أصحابها بالتشيع ، وتكلمت عن عقيدة أهل السنة والجماعة في تعظيم مقام الصحابة كلهم والإمساك عمّا شجر بينهم ، وهو في ذلك منصت بأدب عجيب مع أني أسلوبي كان حماسياً فما زاد ــ والله ــ على أن أبدى الندم واستغفر ، وكان الجدة رحمها الله تستمع الكلام وتبتسم.
*والدته مدرسته الأولى : كانت الجدة بالنسبة للوالد رحمهما الله هي الأم والأب والأخ ؛ لأنه رحمه الله عاش يتيماً ، فهي مربيته ومدرسته وملهمته لم يفارقها يوماً إلا لسفر عارض ، ولما اختير للسفر لمكة في شبابه مع بعض زملائه لإكمال الدراسة أبت عليه فترك ذلك من أجلها ، فقد كان رحمه الله بَراً بها بِراً لا أعرف له نظيراً في المعاصرين بل كنت استحضر بأفعاله معها وصف النبي صلى الله عليه سلم في وصف أويس القرني : "لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ" ، ولذا فهو لا يدخل البيت أو يخرج إلا ودخل غرفتها وجاذبها الحديث ، ولا يأكل إلا معها في غرفتها إلا نادراً ، ولا يدخل للبيت شيئاً إلا بعد أن تراه وبعد أن عميت بأن تمر يدها عليه فتختار منه ما تريد ، ولا ينام حتى تأوي إلى فراشها فيغطيها ببردته "بشته" الذي على كتفيه فوق أغطيتها خشية عليها من البرد. فإذا غضبت ذات يوم فلا يعرف نوماً حتى ترضى ، حتى إنه في شبابه إذا أغلقت على نفسها حجرتها "الروشن" وهي غضبى كان يتسور السطح "الطاية" على منور غرفتها فيقبل يديها ورأسها حتى ترضى كما حكت لي ذلك والدتي حفظها الله. لقد كانت تمثل له كل شيء في الحياة ، ولذا فعنها يقول رحمهما الله تعالى :
قدست من أنت يا أماه آيته * تفيض فلسفة كبرى لمعتبر
هاأنت طول حياتي لي معلمة * أسمى التعاليم من باقاتك الغرر
صرت الطريق إلى ربي وفاتحة * ذهني على كوة الكتاب والسور
رعيتني زهرة وقت الجفاف وبي * أصيص حضنك يغري غيرة الزهر
حممتني بالندى واليتم يعصف بي * في باقة ذدت عنها لسعة الدَّبر
* ويقول في آخر قصيدة أخرى بعنوان "أنـــــــا" :
وفقـــــــدت عمــــلاقي أبــــــي * ووجدت عمــــــلاقــي الكــــــريم
أمــــــي الــــتي في حضنهــــــا * نــــوم أنـــسي والرقيـــــــــــم
بأنـــــــــــوثـــــــة جبــــــــــــــارة * تختــــال بالصــبر الأليـــــــــــــم
لا الــــــــــيأس حــــدّر أنفهــــــا * كــــــــــلا ولا صلــــــــــف اللئـــيم
عاشــــت مدرّســــــــتي وجـــا * معـــتي ومــأوي الحمـــــــــــــيم
الله أرســـــــلها إلــــــيّ ومــــن * سوى الــــــربّ الرحــــــــــــــــــيم
* ولذا لم يلبث بعد موتها رحمها الله إلا يسيراً حتى ابتدأ به المرض الذي انتهى بموته رحمه الله بعد سنتين ونيف من فراقها فلم يبق معافى فيها إلا أياماً معدودة. فقد كان يرى أنه كالطفل الذي فقد أمه ، والمسافر في دار غربة بعيدة تركه صحبه بلا عودة. لقد تغير طعم الحياة بفقدها فهو يقول بعد وفاتها في قصيدة بعنوان "وداعاً يا أعز حبيبة" :
فقد بك الدنيا التي قد كسيتها * جمالاً وكانت ذات معنى به أهوى
فقد صارت الأيام في غير لونها * فلا طعمها منٌّ ولا ريحها سلوى
وغرفة ناديك المضيئة اعتمت * وآلت كربـــع بعــــد مؤنسـه أقــــــــوى
تذكرني الآثـــــار فيـــــك فانثــني * ولا شيء غير الدمع والعبرة القصوى
قدمت إلى الدنيا وأنت مضيفتي * فكنت جناحاً ضمد اليتم والشكوى
عرفت بك الله الذي أنت آيــــة * له فعــرفت القلب واللطف والسلـوى
وما زلت بعد الفراق مقيمـــــــــة * بقلبــــي روحــــاً لا تزايلنـــــي نجـــــوى
سأبقى على عهد الوفاء لــــبرتي * إلى أن يوافيــــني الذي بـــك قد ألـــوى
* ويقول في قصيدة بعنوان "زين المحسنات" :
تحملــت الترمـــل والمآســي * وثكلــــــــك بالـــــذكور وبالإنــــــــاث
وللمـــت اليتامى في جنـاح * مهيـــض دافـــــــئ بالمرحمـــــــــات
تساووا ستــــــة وهم ضعاف * بــلا ريـــش كأفـراخ القطــــــــــــاة
ولم يهزمك ثقل الصبر لمّـــــا * وقفـــــت وأنت وحــــدك في ثبـــــات
مـــن الإيمان كان عليــك درع * حمــاك وما حمـاك مـــــن الأذاة
* أبناؤه: تزوج رحمه الله امرأتين أحدهما طلقها ولم تنجب منه شيئاً ، والثانية هي : والدتي مضاوي بنت عبد الكريم المرزوقي حفظه الله من قبيلة البقوم رزق منها بأربعة من الذكور وأربع من الإناث ، تزوجوا في حياته وأنجبوا إلا أصغر الأولاد الذكور فقد توفي رحمه الله وهو دون الخامسة عشر ، وقد كنت آخرهم زواجاً قبل وفاته ؛ حيث توفي رحمه الله بعد ولادة أكبر أبنائي عاصم بنحو أربعين ليلة ، وكان قد حمله بيديه قبل موته بليال وهو يردد "جُمَيّل جُمّيْل" أي جميل ، وعاصم الآن قريباً بإذن الله سيتخرج من الجامعة. ولقد كانت علاقة الوالد رحمه الله بأبنائـه علاقة عجيبة متجاذبة بين الحب والهيبة ، والأبوة والصداقة ، كان رحمه الله له هيبة عجيبة إذا دخل البيت كأن على رؤوسنا الطير ، مع أني لا أعرف أنه رحمه الله استعمل الضرب مع أحدٍ مع أبنائه ولا الزجر الشديد ، إنما كانت المعاتبة الهادئة منه أقوى وأقسى من كل ضرب أو زجر ، فإذا رأى أمراً قد استعصى جلس مع المراد تأديبه وناقشه مناقشة فيها الوعظ والحكمة والإقناع وبيان العاقبة السيئة لمّا هو فيه. وكان رحمه الله لا يأنف أن يعتذر لأبنائه إذا رأى أنه تجاوز في التأديب أو العبارة فقد أنبّ أحد أبنائه ذات يوم على أمر ما فأحس بأنه تجاوز وليس كذلك ، فاعتذر منه بعدها وقبل رأسه ، وقال : إذا قسوت عليك يوماً فاعذرني فأنا اليوم قد كبرت وأنا اليوم أرجوكم كما كنتم ترجونني صغاراً. ومما قاله رحمه الله بعد أن اتفق ــ لأول مرة ــ غياب جميع أبنائه الذكور في وقت واحد ما عدا الصغير للدراسة أو العمل ، وكنت آخرهم سفراً إذ لم أفارقه رحمه لله منذ ولادتي إلا في منتصف سنة (1405هـ) أي قبل موته بثلاث سنوات ونصف ، ففي تلك السنة من شهر شوال قال :
عليكم يابني ودي سلاماً * يعبر عن مدى إشعاع حبي
إذا اختلفت رقاع الأرض فينا * فإن الحب وحد كل قلب
نقابلكم فيشفى كل شوق * ونحيا في البعاد بقلب صبٍ
سلوا في بعدكم خفقات قلبي * فنقر قلوبكم عنها سينبي

رد مع اقتباس