عرض مشاركة واحدة
قديم 2009, 12:11 AM   [8]
hael1
عضو جديد








الوالد والشعر الشعبي : لقد كان الوالد رحمه الله كسائر أبناء عائلته من أعمام وإخوان وأخوات وأبناء عم حتى والدته رحمهم الله يجيدون نظم الشعر الشعبي المسمى "بالنبطي" ، لكنه كان من الشعراء القلائل الذين جمعوا الإبداع في الشعر بقسميه الفصيح والنبطي ، وكان مشتهراً بذلك رحمه الله ، ولذا لما ترجمه الشيخ محمد بن عثمان القاضي في كتابه "روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين" قال : "وكان خطاطاً فائقاً في حسنه للخط والوضوح تختاره على الطباعة ، وشاعراً بارعاً لا يجارى ، تـــرجم لــه عبد الله بن إدريس ، وكان إماماً في الأدب والشعر عربيّه ونبطيه"أ.هـ وقد تقدم قول الأستاذ أبي زياد عبد الرحمن العبد الله الهقاص وهو شاعر نبطي فحل عن الوالد رحمه الله حين قال : "تربع على عرش الشعر الفصيح ، له منهج واضح في الشعر العامي". وكان مما قال في رثائه :
هو فارس الشعر هو راسه وخَيَّالــــــه * ميدان الابداع تفخر فيه الايَّامــــــي
الشعر باللَّهْجه الفصحى يخَلَّى لـــــــه * من مِلْهِم الشعر فاز ابْسِرّ الالْهَامـي
بالموهبه قَيَّد التاريخ بِحْبَالـــــــــــــــــه * وِبْسَاحة الشعر حَطَّم كل الارْقَامــي
لو عاش في صَفْوةَ الماضي مَعَ اجْيَاله * مازاد عنه الفرزدق وبُو تمــــــامـي
والشعر في لَهْجِةَ الشَّعْبِي على بالــه * إن زار جَوِّه تِسَيَّد فيه الى حامــــــي
ابن شريم ان ذكرته يِبْرِم القَالــــــــــــه * وابن دويرج بلا تعليق وِخْصَامـــــي
مع شعر أبو ماجد اللي صارَ له هالــــه * تبقى المشاهير عامٍ يَتْبِعه عامـــي
هو مِثْلهم في فنون الشعر واشكالــــه * يَسْبِق بحُبّ العرب وِهْمُوم الاسلامي

* لقد كان أغلب قصائد الوالد التي يحتفظ بها من الشعر العربي لأنه غالب شعره الذي يعبر به عمّا في نفسه ويوافق طبيعته ، وأما الشعر النبطي فنادراً ما تجده بين أوراقه ؛ لأن الغالب عليه رحمه الله أنه لا يقول هذا النوع إلا في حالتين : إما لأن الذي يريد أن يطارحه من أصدقائه أو يرد عليه ممن لا يحسن إلا هذا الفن ، أو لكون كثيراً من أصدقائه وأقربائه الذين يجالسونه يلقون البيت والبيتين من النبطي فيرد عليهم من بنفس النوع ، والغالب أن هذين القسمين : إما أن تكون في الصدور ، أو في السطور عند من يكتب لهم ، ومما أذكره وأنا في المرحلة المتوسطة في بيتنا المستأجر "بيت عايد السريع" في حي "أم الخوابي" والذي أشتراه الوالد بعد ذلك ، فلما بنى بيته في "حي الفيحاء" باعه على ابنة عمه بسعر رخيص مراعاة لحالها وزوجها ، في ذلك البيت الطيني جاءنا ابن عم الوالد الشاعر النبطي المشهور المكثر عبد الله بن عبد العزيز السناني رحمه الله ذات يوم وتغدى وقال ذلك اليوم ، وكان الوالد يراوده لأجل أن يزوجه وتكفل له بالمهر والمرأة ، ثم لمّا جاء العصر وصعدت لابن عم الوالد لأجل الصلاة قال لي وهو مهموم : قل لأبوك ماني متزوج. وكان قد أعد أبياتاً يشكر الوالد على ما قدم ويعتذر عن ذلك ، فلما حضر الوالد ألقاها عليه ، وأخذ الوالد يجيبه شعراً ، فصّار كلمّا قال أحدهما بيتاً أجابه الآخر حتى اكتملت قصيدة (ردّية) جميلة ، وكان ابن العم رحمه الله يحفظها إلى عهد قريب قبل موته ، لكني مع الأسف لم أكتبها عنه. ومن محفوظاتي لقصيدة طويلة قالها الوالد رحمه الله لما جاء تثمين مجزي للبيوت في أحياء عنيزة قديماً في وسط البلد ووقف بعض الناس ضد ذلك بحجج غريبة فوتت على البلد خير عظيم وبقيت تلك البيوت إلى اليوم ندوب في تحديث المدينة ، وكان من الممكن أن يتغير اليوم وجه وسط المدينة بشكل غير الواقع الذي نراه اليوم ، فممـا أذكره من مطلع القصيدة وهي موجودة لكن لا أطولها الآن :

تعبرّت والدنيــا تعبر ســـرايرهــــــا * تبيح على المخلوق ما جاء بخاطرهــــا
يشب الوليد ولا درى عن طبوعهـــا * وإلا شاب ما كن التجاريب خابرهــــــــا
تعجبت من بعض اللحى بان شيبها * وهي في مجال اللعب شهب صوابـــرها

* ومــما توقعه رحمه الله في القصيدة تلك الأيام حينما كانت عنيزة لا تتجاوز شارع الملك عبد العزيز "الرياض سابقاً" شرقاً ، وكان "الصنقر" الذي فيه خزان الماء وهو الآن طرف حي المطار الجنوبي جبــــل لا سكن فيه ، حتى حي الصالحية لم يبن بعد ، فأشار مكبتاً من لا يرى في الدنيا إلا حارته ذات الشارع الضيق الذي ذكر رحمه الله في القصيدة : (أنه لو يشد الحبل ينشب بعايرها) ، حين قال في أحد الأبيات :

(لكني أشوف الدار تبهل شطورها * تهايق على روس الصناقر عمايرها ) ،

و لم يمت رحمه الله حتى رأى العماير تهايقت على روس الصناقر ، بل ذهبت وراء ذلك بعيداً من كل جهة ، بينما بقيت تلك البيوت القديمة شاهداً على عداوة بعض الناس لأنفسهم.
* ومن ذلك قصيدته للشاعر النبطي المجيد الأستاذ محمد البراهيم السلمان رحمه الله التي قدمت أنه قالها يتأريخ 28/2/1408هـ قبل وفاته بأحد عشر شهراً في رجل تطــاول عليه بكلام قذر وواجهه بكلام سوقي لّما أراد منه حقاً مالياً وربما تمالأ معه قوم آخرون ، فقال في تقديمه : إلى أخي الأستاذ الكريم محمد البراهيم السلمان مع التحية :

سر يا قلم وانشر مطاوي كنينهـــــــا * في نفس محرور لحْيْـد يعينهــــــــــا
لمحمد السلمـان ذرب المعاملـــــــــة * مباريك في زين الليـالي وشينهــــــا
وفصّل لبوبراهيم ماجـرّح الحشـــــــــا * ولو كان من شكواك مثلك طعينهــا
سهرت ومسحت الدمع واخفيت شكوتي*ولا شل جفني كود أذى مسلمينهـا
وضاقت بي الدار الوسيعة وخاطــــري * لفقد رجاجيل يثيبك عوينهـــــــــــــا
والأرض غير الأرض فينا تبدلــــــــــــت * عليها قروده تاخذه في يمينهـــــــا
لها صولة والحظ معها مساعفــــــــــه * على جيفة الدنيا تهزهز سنينهـــــــا
ربت مع دبشها واكتست من طبوعهـا * وشيماتهم وسلومهم جادعينهــــــــا
وعزيل شذان الحمايل من النقـــــــــــا * بمكبوشة ما خوذها مستحينهــــــــا
بوقتٍ ميادين المراويس للرّمــــــــــــــا * فلا خبنة إلا وهم كاسبينهـــــــــــــا
طلت بالسواد وجيههم قلة الحيــــــــــا * ومرواتهم بثيابهم سالحينهــــــــــــا
وللمال عبّاد وللغـــدر والـــــــــــــــردى * ذيابة غداري هدته محتزينهــــــــــا
فلا يدفنون الميت إلا بعمولـــــــــــــــــة * قبل ما يوسد باللحد قابضينهـــــــــا
يصيدون بالغرة محل ومحـــــــــــــــــرم * ولا يشبع بطون الضواري سمينهـا
وما حل بيديهم حرام لغيرهــــــــــــــــم * حلال لهم هذي تفاسير دينهــــــــــا
فلو خليّت الكعبة سبوها عباتهــــــــــــا * ولو بير زمزم بايعوا واردينهــــــــــا
حصاني إلى ذلوا كلاب إلى ارتجــــــــوا * ولا بالزقرتي طمعة مرتجينهــــــــا
وشخوا على نار الحمية وتفلــــــــــــــوا * وغنوا على نار الردى موقدينهــــا
معان الشيم والمرجلة عزلوا بهـــــــــــا * ولكن على دسعاتهم فاتحينهــــــا
إلى قلت جاء الحظ جتني فزوعهـــــــــم * نطاطيقهم عند اللزوم مرهفينهـــا
ولى صحت فيهم تنتخي صرت مرتخـي * فذانهم ما ينفذ الصوت طينهـــــــــا
وياليت تسلم من ندوس ومبلــــــــــــــغ * بوصط المجالس سيرتك حايقينهـا
يغبون عنك الراي والنصح كنهـــــــــــــم * مع القوم فيك الهايعة محترينهـــا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلاني بتال الوقت من هان واجــــــــــبي * شقي نفسٍ حر خطو نذلٍ يهينهــــا
تمثنيت بايامي بستر وسلامـــــــــــــــــة * ولا ناب ملفاها ولا ذاب حينهـــــــا
وعيبي حياي وعلتي طيب الربـــــــــــــــا * ولي شيمة عيّت تقبـل عطينهــــــا
ربينا مع اجواد تنحوا وودعــــــــــــــــــــــوا * خلفهـم هثيـل ليتنا سابقينهـــــا
ولا صار مقبلهم مثل حاضرينهـــــــــــــم*عسى البيض فصي ما يدورج جنينها
اقوله واخص اللي عنيته ولا خلـــــــــــت * بلاد الحمايا من ضنا خيرينهـــــــا
جذبت القلم والطرس وامليت ما احتضـر * وقدمت لك خوخ السريرة وتينـهـا
ولو كان ما تشاد ولا شك همتــــــــــــــك * عزوم على قاس الحوادث ولينهـا
تهيضت لك حيثك مجرب وضامــــــــــــرك * حزين يهيضك النبا من حزينهــــا
عسى مقبل الأيام تلفح بغيبهـــــــــــــــــا * ولا يقطع الله به رجا حالبينهـــــــا
وحنا بفضل الله بخير ومعــــــــــــــــــــــزة * سفينة حماية ربنا راكبينهـــــــــا
فلا نعمة إلا بها شاكرينهــــــــــــــــــــــــــا * ولا شدة إلا بها صابرينهــــــــــا
هي النفس لا ضاقت وذا من طبيعتـــــه*حشا تشكي الله لا اشتكت مجرمينهـا
غذاها المفاكر في تصرف حوالهـــــــــــــــأ * وسلوى المذاكر لا لقت رايفينهــا
وانا بعت من صغري على الناس شرهتي * مع اللي فوايد عملته مشترينهـــا
ودير الروابع كيف دار تغيـــــــــــــــــــــــرت * تجول العقارب ما بهم كاتلينها
تمر الحذا من حولها ما تمسهــــــــــــــــــــا * لك الله ما كنّ العرب عارفينهـــا
تخزز قريصه حربته فوق غاربـــــــــــــــــه *مع الناس بالطوشه تقل والفينها

* الوالد رحمه الله وشعر الغزل : كان الوالد رحمه الله مقلاً من شعر الغزل لطبيعة تربيته الدينية التي ربته عليها والدته رحمها الله وبقيت آثارها حتى موته في حياته وشعره ، مع ما كان يشغله من هموم أمته وما حلَّ بها من نكبات. ولعل لنشأة اليتم التي عاشها وما تبع ذلك من حياة الكفاف في شبابه أثر في ذلك كذلك ، لأن تلك النشأة الشاقة التي يلمحها كل قارئ لشعره لم تجعل له رحمه الله أن يعيش عيشة شعراء آخرين معاصرين له ، لذلك لما ذكره صـاحب كتــاب "شعراء نجد المعاصرون" عبد الله بن إدريس وعمره رحمه الله آنذاك دون الثلاثين ، قال عنه : "شاعر جيد إلا أنه مقل ، وتعوزه الأجواء الملونة". أضف لذلك معارضة هذا الشعر لطبيعته التي خلقه الله عليها من الجدِّ والعقل والنظر لحقائق الأشياء لا لظواهرها. فلقد تزوج رحمه الله على والدتي قبل أن أولد بسنيات ، فما لبث إلا أن طلق الأخرى وأنا حملٌ ولم يتزوج بعدها ؛ لأن فلسفته التي وصل إليها : أن النساء في جوهرهن واحد وإن اختلفن في الظواهر كما قال صلى الله عليه وسلم فيما روى الترمذي وأصله في مسلم : "إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ مَعَهَا مِثْلَ الَّذِي مَعَهَا" ، ولذا فها هو يقول في إحدى قصائده :

تغزلت لا عن غــــزل * ولكن ليرضــــى الأدب
فما الحب من عادتي * فما صح عندي سبـب
أاهدر قلبي هـــــوى * لإغراء زيف البشــــــر
فما الحسن إلا وثـــن * كما كوكب أو حجـــــر
سأبقى أحب الوجود * ففيه صنوف الجمــــال
وأرفض حب الجسوم * بغير تمـــــــام الخـلال
أحب الوجود الجميــل * وصولاً إلى المبــــــدع
فما بعد حب الإلـــــــه * سمـــو لقــلـب يعـــي
وإن جاذبتك الطبــــاع * فمن عقلك المستشار
فحب الطباع اشتهاء كذلك حب الحمــــــــــــــار

* الوالد رحمه الله وشعر الهزل : ينسحب كذلك على هذا النوع من الشعر ما ينسحب على شعر الغزل في سبب إقلال الوالد منه رحمه الله ، إلا أن هذا النوع يقع عنده أكثر من شعر الغزل خاصة مع أصدقائه المقـربين ، ولا تبقى هذه القصائد في أوراقه لأن الغالب إرسالها لمن يعنى بها لأنه رحمه الله لم يكن يبيض قصائده ، وقد ذكر الدكتور طارق الحبيب في مقاله القديم في صحيفة جامعة الملك سعود أثناء حياة الوالد رحمه الله فيما أذكر قصيدة له عربية الكتابة خليلية الوزن أفرنجية الألفاظ قالها رحمه الله في أحد أصدقائه المقربين فلم يبق في ذاكرتي منها إلا ما عيره به من التلون مداعباً حين قال له : (أنت في نجد حنبلي في الخليج أبو حنيفة) ، ومن قصائد الوالد في المداعبات يخاطب ضرسه الذي صبر عليه لكنه قلعه أخيراً حين يقول (باختصار بعض الأبيات) :

خسرتك ياأعز الأصدقـــــــــــــــاء * وكنا مجمعين على الصفــــاء
أسارع للطبيب ولست أرضـــــى * إذا هو قال خلعك من شفائــــي
إلى أن حل بي ما لسـت أقـــوى * وصــرت عليّ من أدهى البــلاء
وذات صبيحة وجهت وجهــــــــي * وليس المركــــــز الصحي بنـاء
وأعطيت الطبيب قرار نفســــــي * بخلعـــــك إذ لجــأت إلى عدائـي
لقد سموك ضرس العقل حقــــــاً * فقد طيــرت عقلي في الهبــــــاء
ولم أجـــــــد الذي قالوه علمـــــــاً * فإطلاق الشمــــــول من الهراء
حباني الله أربعــــــــة بفكـــــــــي * فما أصبحـــــت من أهــل الدهاء
صحبتك من صباي وذاك عمــــــــر * ولم نوجـــــد جميعــــاً للبقـــــاء
وقلعك في الحقيقة موت بعضــي * فكــــــــن لبقيتي كبش الفــــــــداء
وفيتُ وخنتَ فاسمع صدق شعري * بــــــــلا ذم صــــراح أو رثـــــــاء

* وقال في قصيدة بعنوان "مراضع الحليب"
شحت ثدي نساء الحي عن ولــد * فاستبدل الناس من ألبانها العلبـا
فاستبقر النسل إن العرق ذو أثـر * ومثلــه اللــــبن المرضوع كم جذبا
فكم رأينا من الجامــــــوس خالته * أو خاله الثور فاسترعى بنا العجبا
يلقاك غــــــــير مبـــال لو بجبهتـه * قرنان شدّ على جنبيك فاختضبـــا

hael1
عضو جديد








الوالد والشعر الشعبي : لقد كان الوالد رحمه الله كسائر أبناء عائلته من أعمام وإخوان وأخوات وأبناء عم حتى والدته رحمهم الله يجيدون نظم الشعر الشعبي المسمى "بالنبطي" ، لكنه كان من الشعراء القلائل الذين جمعوا الإبداع في الشعر بقسميه الفصيح والنبطي ، وكان مشتهراً بذلك رحمه الله ، ولذا لما ترجمه الشيخ محمد بن عثمان القاضي في كتابه "روضة الناظرين عن مآثر علماء نجد وحوادث السنين" قال : "وكان خطاطاً فائقاً في حسنه للخط والوضوح تختاره على الطباعة ، وشاعراً بارعاً لا يجارى ، تـــرجم لــه عبد الله بن إدريس ، وكان إماماً في الأدب والشعر عربيّه ونبطيه"أ.هـ وقد تقدم قول الأستاذ أبي زياد عبد الرحمن العبد الله الهقاص وهو شاعر نبطي فحل عن الوالد رحمه الله حين قال : "تربع على عرش الشعر الفصيح ، له منهج واضح في الشعر العامي". وكان مما قال في رثائه :
هو فارس الشعر هو راسه وخَيَّالــــــه * ميدان الابداع تفخر فيه الايَّامــــــي
الشعر باللَّهْجه الفصحى يخَلَّى لـــــــه * من مِلْهِم الشعر فاز ابْسِرّ الالْهَامـي
بالموهبه قَيَّد التاريخ بِحْبَالـــــــــــــــــه * وِبْسَاحة الشعر حَطَّم كل الارْقَامــي
لو عاش في صَفْوةَ الماضي مَعَ اجْيَاله * مازاد عنه الفرزدق وبُو تمــــــامـي
والشعر في لَهْجِةَ الشَّعْبِي على بالــه * إن زار جَوِّه تِسَيَّد فيه الى حامــــــي
ابن شريم ان ذكرته يِبْرِم القَالــــــــــــه * وابن دويرج بلا تعليق وِخْصَامـــــي
مع شعر أبو ماجد اللي صارَ له هالــــه * تبقى المشاهير عامٍ يَتْبِعه عامـــي
هو مِثْلهم في فنون الشعر واشكالــــه * يَسْبِق بحُبّ العرب وِهْمُوم الاسلامي

* لقد كان أغلب قصائد الوالد التي يحتفظ بها من الشعر العربي لأنه غالب شعره الذي يعبر به عمّا في نفسه ويوافق طبيعته ، وأما الشعر النبطي فنادراً ما تجده بين أوراقه ؛ لأن الغالب عليه رحمه الله أنه لا يقول هذا النوع إلا في حالتين : إما لأن الذي يريد أن يطارحه من أصدقائه أو يرد عليه ممن لا يحسن إلا هذا الفن ، أو لكون كثيراً من أصدقائه وأقربائه الذين يجالسونه يلقون البيت والبيتين من النبطي فيرد عليهم من بنفس النوع ، والغالب أن هذين القسمين : إما أن تكون في الصدور ، أو في السطور عند من يكتب لهم ، ومما أذكره وأنا في المرحلة المتوسطة في بيتنا المستأجر "بيت عايد السريع" في حي "أم الخوابي" والذي أشتراه الوالد بعد ذلك ، فلما بنى بيته في "حي الفيحاء" باعه على ابنة عمه بسعر رخيص مراعاة لحالها وزوجها ، في ذلك البيت الطيني جاءنا ابن عم الوالد الشاعر النبطي المشهور المكثر عبد الله بن عبد العزيز السناني رحمه الله ذات يوم وتغدى وقال ذلك اليوم ، وكان الوالد يراوده لأجل أن يزوجه وتكفل له بالمهر والمرأة ، ثم لمّا جاء العصر وصعدت لابن عم الوالد لأجل الصلاة قال لي وهو مهموم : قل لأبوك ماني متزوج. وكان قد أعد أبياتاً يشكر الوالد على ما قدم ويعتذر عن ذلك ، فلما حضر الوالد ألقاها عليه ، وأخذ الوالد يجيبه شعراً ، فصّار كلمّا قال أحدهما بيتاً أجابه الآخر حتى اكتملت قصيدة (ردّية) جميلة ، وكان ابن العم رحمه الله يحفظها إلى عهد قريب قبل موته ، لكني مع الأسف لم أكتبها عنه. ومن محفوظاتي لقصيدة طويلة قالها الوالد رحمه الله لما جاء تثمين مجزي للبيوت في أحياء عنيزة قديماً في وسط البلد ووقف بعض الناس ضد ذلك بحجج غريبة فوتت على البلد خير عظيم وبقيت تلك البيوت إلى اليوم ندوب في تحديث المدينة ، وكان من الممكن أن يتغير اليوم وجه وسط المدينة بشكل غير الواقع الذي نراه اليوم ، فممـا أذكره من مطلع القصيدة وهي موجودة لكن لا أطولها الآن :

تعبرّت والدنيــا تعبر ســـرايرهــــــا * تبيح على المخلوق ما جاء بخاطرهــــا
يشب الوليد ولا درى عن طبوعهـــا * وإلا شاب ما كن التجاريب خابرهــــــــا
تعجبت من بعض اللحى بان شيبها * وهي في مجال اللعب شهب صوابـــرها

* ومــما توقعه رحمه الله في القصيدة تلك الأيام حينما كانت عنيزة لا تتجاوز شارع الملك عبد العزيز "الرياض سابقاً" شرقاً ، وكان "الصنقر" الذي فيه خزان الماء وهو الآن طرف حي المطار الجنوبي جبــــل لا سكن فيه ، حتى حي الصالحية لم يبن بعد ، فأشار مكبتاً من لا يرى في الدنيا إلا حارته ذات الشارع الضيق الذي ذكر رحمه الله في القصيدة : (أنه لو يشد الحبل ينشب بعايرها) ، حين قال في أحد الأبيات :

(لكني أشوف الدار تبهل شطورها * تهايق على روس الصناقر عمايرها ) ،

و لم يمت رحمه الله حتى رأى العماير تهايقت على روس الصناقر ، بل ذهبت وراء ذلك بعيداً من كل جهة ، بينما بقيت تلك البيوت القديمة شاهداً على عداوة بعض الناس لأنفسهم.
* ومن ذلك قصيدته للشاعر النبطي المجيد الأستاذ محمد البراهيم السلمان رحمه الله التي قدمت أنه قالها يتأريخ 28/2/1408هـ قبل وفاته بأحد عشر شهراً في رجل تطــاول عليه بكلام قذر وواجهه بكلام سوقي لّما أراد منه حقاً مالياً وربما تمالأ معه قوم آخرون ، فقال في تقديمه : إلى أخي الأستاذ الكريم محمد البراهيم السلمان مع التحية :

سر يا قلم وانشر مطاوي كنينهـــــــا * في نفس محرور لحْيْـد يعينهــــــــــا
لمحمد السلمـان ذرب المعاملـــــــــة * مباريك في زين الليـالي وشينهــــــا
وفصّل لبوبراهيم ماجـرّح الحشـــــــــا * ولو كان من شكواك مثلك طعينهــا
سهرت ومسحت الدمع واخفيت شكوتي*ولا شل جفني كود أذى مسلمينهـا
وضاقت بي الدار الوسيعة وخاطــــري * لفقد رجاجيل يثيبك عوينهـــــــــــــا
والأرض غير الأرض فينا تبدلــــــــــــت * عليها قروده تاخذه في يمينهـــــــا
لها صولة والحظ معها مساعفــــــــــه * على جيفة الدنيا تهزهز سنينهـــــــا
ربت مع دبشها واكتست من طبوعهـا * وشيماتهم وسلومهم جادعينهــــــــا
وعزيل شذان الحمايل من النقـــــــــــا * بمكبوشة ما خوذها مستحينهــــــــا
بوقتٍ ميادين المراويس للرّمــــــــــــــا * فلا خبنة إلا وهم كاسبينهـــــــــــــا
طلت بالسواد وجيههم قلة الحيــــــــــا * ومرواتهم بثيابهم سالحينهــــــــــــا
وللمال عبّاد وللغـــدر والـــــــــــــــردى * ذيابة غداري هدته محتزينهــــــــــا
فلا يدفنون الميت إلا بعمولـــــــــــــــــة * قبل ما يوسد باللحد قابضينهـــــــــا
يصيدون بالغرة محل ومحـــــــــــــــــرم * ولا يشبع بطون الضواري سمينهـا
وما حل بيديهم حرام لغيرهــــــــــــــــم * حلال لهم هذي تفاسير دينهــــــــــا
فلو خليّت الكعبة سبوها عباتهــــــــــــا * ولو بير زمزم بايعوا واردينهــــــــــا
حصاني إلى ذلوا كلاب إلى ارتجــــــــوا * ولا بالزقرتي طمعة مرتجينهــــــــا
وشخوا على نار الحمية وتفلــــــــــــــوا * وغنوا على نار الردى موقدينهــــا
معان الشيم والمرجلة عزلوا بهـــــــــــا * ولكن على دسعاتهم فاتحينهــــــا
إلى قلت جاء الحظ جتني فزوعهـــــــــم * نطاطيقهم عند اللزوم مرهفينهـــا
ولى صحت فيهم تنتخي صرت مرتخـي * فذانهم ما ينفذ الصوت طينهـــــــــا
وياليت تسلم من ندوس ومبلــــــــــــــغ * بوصط المجالس سيرتك حايقينهـا
يغبون عنك الراي والنصح كنهـــــــــــــم * مع القوم فيك الهايعة محترينهـــا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
بلاني بتال الوقت من هان واجــــــــــبي * شقي نفسٍ حر خطو نذلٍ يهينهــــا
تمثنيت بايامي بستر وسلامـــــــــــــــــة * ولا ناب ملفاها ولا ذاب حينهـــــــا
وعيبي حياي وعلتي طيب الربـــــــــــــــا * ولي شيمة عيّت تقبـل عطينهــــــا
ربينا مع اجواد تنحوا وودعــــــــــــــــــــــوا * خلفهـم هثيـل ليتنا سابقينهـــــا
ولا صار مقبلهم مثل حاضرينهـــــــــــــم*عسى البيض فصي ما يدورج جنينها
اقوله واخص اللي عنيته ولا خلـــــــــــت * بلاد الحمايا من ضنا خيرينهـــــــا
جذبت القلم والطرس وامليت ما احتضـر * وقدمت لك خوخ السريرة وتينـهـا
ولو كان ما تشاد ولا شك همتــــــــــــــك * عزوم على قاس الحوادث ولينهـا
تهيضت لك حيثك مجرب وضامــــــــــــرك * حزين يهيضك النبا من حزينهــــا
عسى مقبل الأيام تلفح بغيبهـــــــــــــــــا * ولا يقطع الله به رجا حالبينهـــــــا
وحنا بفضل الله بخير ومعــــــــــــــــــــــزة * سفينة حماية ربنا راكبينهـــــــــا
فلا نعمة إلا بها شاكرينهــــــــــــــــــــــــــا * ولا شدة إلا بها صابرينهــــــــــا
هي النفس لا ضاقت وذا من طبيعتـــــه*حشا تشكي الله لا اشتكت مجرمينهـا
غذاها المفاكر في تصرف حوالهـــــــــــــــأ * وسلوى المذاكر لا لقت رايفينهــا
وانا بعت من صغري على الناس شرهتي * مع اللي فوايد عملته مشترينهـــا
ودير الروابع كيف دار تغيـــــــــــــــــــــــرت * تجول العقارب ما بهم كاتلينها
تمر الحذا من حولها ما تمسهــــــــــــــــــــا * لك الله ما كنّ العرب عارفينهـــا
تخزز قريصه حربته فوق غاربـــــــــــــــــه *مع الناس بالطوشه تقل والفينها

* الوالد رحمه الله وشعر الغزل : كان الوالد رحمه الله مقلاً من شعر الغزل لطبيعة تربيته الدينية التي ربته عليها والدته رحمها الله وبقيت آثارها حتى موته في حياته وشعره ، مع ما كان يشغله من هموم أمته وما حلَّ بها من نكبات. ولعل لنشأة اليتم التي عاشها وما تبع ذلك من حياة الكفاف في شبابه أثر في ذلك كذلك ، لأن تلك النشأة الشاقة التي يلمحها كل قارئ لشعره لم تجعل له رحمه الله أن يعيش عيشة شعراء آخرين معاصرين له ، لذلك لما ذكره صـاحب كتــاب "شعراء نجد المعاصرون" عبد الله بن إدريس وعمره رحمه الله آنذاك دون الثلاثين ، قال عنه : "شاعر جيد إلا أنه مقل ، وتعوزه الأجواء الملونة". أضف لذلك معارضة هذا الشعر لطبيعته التي خلقه الله عليها من الجدِّ والعقل والنظر لحقائق الأشياء لا لظواهرها. فلقد تزوج رحمه الله على والدتي قبل أن أولد بسنيات ، فما لبث إلا أن طلق الأخرى وأنا حملٌ ولم يتزوج بعدها ؛ لأن فلسفته التي وصل إليها : أن النساء في جوهرهن واحد وإن اختلفن في الظواهر كما قال صلى الله عليه وسلم فيما روى الترمذي وأصله في مسلم : "إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ مَعَهَا مِثْلَ الَّذِي مَعَهَا" ، ولذا فها هو يقول في إحدى قصائده :

تغزلت لا عن غــــزل * ولكن ليرضــــى الأدب
فما الحب من عادتي * فما صح عندي سبـب
أاهدر قلبي هـــــوى * لإغراء زيف البشــــــر
فما الحسن إلا وثـــن * كما كوكب أو حجـــــر
سأبقى أحب الوجود * ففيه صنوف الجمــــال
وأرفض حب الجسوم * بغير تمـــــــام الخـلال
أحب الوجود الجميــل * وصولاً إلى المبــــــدع
فما بعد حب الإلـــــــه * سمـــو لقــلـب يعـــي
وإن جاذبتك الطبــــاع * فمن عقلك المستشار
فحب الطباع اشتهاء كذلك حب الحمــــــــــــــار

* الوالد رحمه الله وشعر الهزل : ينسحب كذلك على هذا النوع من الشعر ما ينسحب على شعر الغزل في سبب إقلال الوالد منه رحمه الله ، إلا أن هذا النوع يقع عنده أكثر من شعر الغزل خاصة مع أصدقائه المقـربين ، ولا تبقى هذه القصائد في أوراقه لأن الغالب إرسالها لمن يعنى بها لأنه رحمه الله لم يكن يبيض قصائده ، وقد ذكر الدكتور طارق الحبيب في مقاله القديم في صحيفة جامعة الملك سعود أثناء حياة الوالد رحمه الله فيما أذكر قصيدة له عربية الكتابة خليلية الوزن أفرنجية الألفاظ قالها رحمه الله في أحد أصدقائه المقربين فلم يبق في ذاكرتي منها إلا ما عيره به من التلون مداعباً حين قال له : (أنت في نجد حنبلي في الخليج أبو حنيفة) ، ومن قصائد الوالد في المداعبات يخاطب ضرسه الذي صبر عليه لكنه قلعه أخيراً حين يقول (باختصار بعض الأبيات) :

خسرتك ياأعز الأصدقـــــــــــــــاء * وكنا مجمعين على الصفــــاء
أسارع للطبيب ولست أرضـــــى * إذا هو قال خلعك من شفائــــي
إلى أن حل بي ما لسـت أقـــوى * وصــرت عليّ من أدهى البــلاء
وذات صبيحة وجهت وجهــــــــي * وليس المركــــــز الصحي بنـاء
وأعطيت الطبيب قرار نفســــــي * بخلعـــــك إذ لجــأت إلى عدائـي
لقد سموك ضرس العقل حقــــــاً * فقد طيــرت عقلي في الهبــــــاء
ولم أجـــــــد الذي قالوه علمـــــــاً * فإطلاق الشمــــــول من الهراء
حباني الله أربعــــــــة بفكـــــــــي * فما أصبحـــــت من أهــل الدهاء
صحبتك من صباي وذاك عمــــــــر * ولم نوجـــــد جميعــــاً للبقـــــاء
وقلعك في الحقيقة موت بعضــي * فكــــــــن لبقيتي كبش الفــــــــداء
وفيتُ وخنتَ فاسمع صدق شعري * بــــــــلا ذم صــــراح أو رثـــــــاء

* وقال في قصيدة بعنوان "مراضع الحليب"
شحت ثدي نساء الحي عن ولــد * فاستبدل الناس من ألبانها العلبـا
فاستبقر النسل إن العرق ذو أثـر * ومثلــه اللــــبن المرضوع كم جذبا
فكم رأينا من الجامــــــوس خالته * أو خاله الثور فاسترعى بنا العجبا
يلقاك غــــــــير مبـــال لو بجبهتـه * قرنان شدّ على جنبيك فاختضبـــا

hael1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
hael1 غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس