عرض مشاركة واحدة
قديم 2009, 04:49 AM   [3]
hael1
عضو جديد








* أفضل ما أعجبني من قصيدة أو بيت: من من أحسن ما أعجبني من روائع شعر الوالد رحمه الله ما قاله في قصيدة بعنوان "يقولون" وهي في مرض والدته رحمها الله والتي كان مطلعها :

يقولون كيف الحال ؟ قلت كعهدكم * وتكفي حال من صحب المرضى
حيث ختمها رحمه الله ببيتين من روائع الشعر فقال :

سنصدق لولا قسوة في قلوبنا * ونبصر إن ناب الزمان لنا عضــــاً
وكم وعظتنا يوما بغيرنــــــــــا * وفي ذات يوم سوف تجعلنا وعظاً

* وكذلك ما جاء في قصيدته التي عنونها بـــــ "عرّج" ، والتي كان مطلعها :
ش
عرج على أطلال يعرب * واذرف على عدنان واندب

فقد ختمها برائعة من روائع الشعر حين قال :

ليت القبـور رفـاتها * كالروض يلوي ثم يخصب
لتعود دولـة أمــة * غربت وما خلقت لتغـــــرب

* أما أحسن القصائد في نظري فهي قصيدته التي مضى طرفها في رد تحية أحد الشعراء العراقيين ممن الشعراء العراقيين ممن وفد إلى عنيزة فمدحها فرد عليه الوالد بقصيدة طويلة من عيون الشعر عارض بها قصيدته فقال في مطلعها :

حيتك نجد صباها أو ندى ماهـــــا * ورندها وعبير في خزاماهـا
واستقبلتك مهود الشعر باسمــة * كأن نــور أقاحيهــا ثنايـاهـــا

* وقصيدته في رثاء الشيخ سليمان بن عبد الله النعيم رحمه الله التي قال في أثنائها :

والموت في هذي الحياة بدايـــــــــة * ونهايـــة لبداية ما أقصــــــــــــــرا
نأسى على الموتى ونحن وراءهــم * نطوي على جسر الحياة المعــبرا
نسهو ونلهوا بالحطـــام تهافتـــــــــاً * ومتى استهام القلب لن يتبصـــرا
لو زار زائـــرنا المقابــــــر واعيـــــــــاً * لأعاد تقييم الأمور وقــــــــــدرا
جثث تمـــــــــور ثيابهــــــــا أكفانها * فـوق التــراب وأخــتها تحت الثـرى
تنساق للأمــــل الخـــــدوع كأنمــــا * أخـذت بتمــديـــد الإقـــامة محضرا

* ومن ذلك قصيدته التي قالها رحمه الله في مرض موته والتي مطلعها (ستأتي كاملة) :

تضاحك دار عند ميلاد قــــــادم * نذير بكاء سوف يبعثه الفقـــــــد
وان عمرت دار تبسم معــــــول * وغازل من أحلام فرصته السهد


* وفاته رحمه الله ومرضه : كان عام (1406هـ) هو عام الحزن بالنسبة للوالد رحمه الله حيث فقد اثنين من أحب الناس إلى قلبه ، أحدهما والدته رحمها الله التي فقد معنى الحياة بموتها لولا بقائه داعياً لها كما قال في بعض شعره ، والثاني هو الشيخ سليمان بن عبد الله النعيم رحمه الله الذي مات قبلها بيسير وكان إماماً لمسجد حيِّ الفيحاء الأوسط وكان عابداً زاهداً محبوباً بين الناس ، فرثاه الوالد رحمه الله في قصيدة مطلعها :

آل النعيم مضى القضاء كما جرى * بفقيدكم حسب الرضـــا أن يؤجـــــرا
ودعت فيـه مع الأحبـة عابــــــــداً * حــــــــق الزمـــــــــان بمثله أن يعذرا

حتى قال رحمه الله :

ولقـــد ألفــــت المـــوت في أمثـــــاله * وفقــدتهـــم واعتــــــدت أن أتــــــذكرا
أحببتـهم منـــــذ الطــفولــــة والصبا * ولـدى الكهـولة صـار وجدي أكبـــــــــرا
فقـــد الرجـــال الصالــحين خسارة * فهم المعالــم في الطـــريـق لمن ســـرى
وحيــــــاتهم للمقتــــــدين سكـــــينة * فإذا مضــــوا وجــــم المكــــان وأقفــــرا
تتضــاعف الحسرات فيمن ركبـــــه * عن شــــأو ركبـــهم المجلـــي قصــــــرا
غالــــبت دمـــــعي والفــــراق مرارة * لا لــــــــوم للمحـــــزون أن يســتعبـــرا

* وبوفاة هاذين العزيزين على قلبه رحمه الله تغيرت حياته فاكتسى وجهه بمسحة حزن لا تفارقه ، وصار يفكر بالموت والاستعداد لآخرته بشكل أكبر ، وكان ذلك أحد أسباب تقديمه لتقاعده الذي لم يعش بعده إلا أحد عشر شهراً إذ أحس رحمه الله بشيء من الألم فراجع في مستشفى عنيزة العام القديم فترة ثمينة بلا طائل فأحالوه على المستشفى التخصصي ببريدة الذي وجهه سريعاً إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض ، وبعد الكشف عليه رحمه الله دخل عليه أحد الأطباء ممن نزعت الرحمة من قلبه فصدمه بأن أخبره بإصابته بمرض سرطان القالون وأنه منتشر ، ومع أن للموقف رهبة تلمحها في قسمات وجهه ذلك اليوم فقد تماسك رحمه الله فصبر عند الصدمة الأولى ــ ولله الحمد ــ فلم يقل إلا ما يرضي الرب عزوجل ، وعبّر ذلك في قصيدته التي قالها قبل خضوعه للعلاج الأول بالعمــــل الجراحي الذي قرره الأطباء لاستئصال الجزء المصاب والذي لم ينجح في وقف المرض ، فقرر الأطباء الانتقال للعلاج الكيمائي الذي استمر معه حتى قبل موته بقليل ولم يؤثر ولله الحمد في شعر رأسه أو لحيته التي كست عارضيه ، لكنها أبقت جسمه عظماً دون لحم ، وحين ذهبنا به في أول شهر محرم لموعده في المستشفى ، قال الطبيب : لا أمل له ، ولم يبق له إلا أياماً معدودة. فرجعنا به إلى عنيزة. وفي يوم الأربعاء التاسع عشر من محرم تأزم وضعه ودخل المستشفى وهو في غيبوبة كان يفيق منها مرات دون وعي كامل فيردد كلمة : "جت الصلاة ؟ أبصلي" فيبدأ في الصلاة ثم لا يكملهـــــا رحمه الله ، ولقد رأيت الطبيب قبل موته بيوم رحمه الله يغرز إبرة كبيرة الحجم جداً في رئتيه من جهة ظهره فيستخرج منهما سوائل كثيرة لأن المرض وصل إليهما فصعب عليه التنفس جداً ، حتى إذا كان في صباح يوم الجمعة الموافق للحادي والعشرين من شهر محرم سنة (1409هـ) في الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة أسلم روحه إلى بارئها ، فبادرنا بتغسيله وتكفينه ، وقدمناه للصلاة بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير بعنيزة ، فشيعه جمع كثير جداً من أهالي البلد ، وأثنوا عليه خيراً كثيراً مما أنطقهم الله به من خير والناس شهداء الله في الأرض فلله الحمد والمنة ، وكان رحمه الله قال لي قبل موته بخمسة أيام وقد أحس بدنو أجله : أرجو الله أن يجعل موتي في يوم جمعة ، فأعطاه ربه ما تمنى ، وجمع الله له من الأجور : أن مات بمرض البطن الذي من مات به مات شهيداً كما جاء في الحديث ، وأنه كان ولله الحمد صابراً على ما أبتلاه ، ثم مات في يوم فاضل صلى عليه جمع كبير في صلاة الجمعة أرجو الله أن يكون قد قبل شفاعتهم فيه وأوجب ثناءهم عليه. ومن فضل الله على الوالد رحمه الله أن الله أمهله ما يقارب سنة بعد معرفته بمرض موته ؛ لأن تأخير الأجل مع الإحساس بدنوه نعمة من الله على العبد الصابر خلافاً لموت الفجأة من وجهين : أحدهما : أن ذلك يكون تمحيصاً لذنوبه ورفعة لدرجاته ، وفي الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَــالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ). الثاني : ليعيش لذة العبادة والتذلل والخضوع والاطراح بين يدي الخالق جل وعلا فيلقى الله وهو على حال يحبها الله له ، ولذا لمّا قال بعض الإخوة للوالد رحمه الله وهو يصلي القيام واقفاً في آخر رمضان أدركه ، أي قبل وفاته بأقل من أربعة أشهر وقد أنهكه المرض : لو صليت جالساً يا أبا سامي! فقال له رحمه الله : بل أصبر ، وما يدريني فلعله آخر رمضان أصليه ، وله رحمه الله قصيدة أظنها قبل مرضه بعنوان "وداعاً يارمضان" قال فيها رحمه الله :
بكيت على الفراق ولا أعاب * فلو حزني يخففه احتساب

فهل ألقاك يا رمضان حيّـــــــــاً * وفي نفسي التنسك والمتاب
فقد كنت الصديق يزور غبًّــــــا * وتزويه الأهلة والغيـــــــــاب
زمانك للنفوس ربيــــــــــع روح * به في النور تتسع الرحــاب
كأن العام هاجرة وجـــــــــــدب * وأنت صبا المرابع والربـــاب
به تصفو القلوب على التجلـي * وتسبح نحو خالقها الرغـــــاب
على القرآن تنبلج الخفايـــــــــا * فآذن النفوس لها انسيـــــــاب
بقلبي منك يا رمضان بــــــــرحٌ * فعيدي رغم فرحته اكتئـــــاب
لقاؤك كالطيور المهاجــــــــرات * تمر وفي عزيمتك الذهـــــاب

* ثم لنختم هذه الترجمة له رحمه الله بقصيدته التي كتبها بعد معرفته بمرضه الأخير وقبل دخوله لغرفة وقبل دخوله لغرفة العمليات لإجراء عمليته الأخيرة ، فنعى رحمه الله نفسه مسلماً ومؤمناً بما قدره ربه تعالى فقال :
تضاحك دار عند ميلاد قادم * نذير بكاء سوف يبعثه الفقـــد
وإن عمرت دار تبسم معــــــــول * وغازل من أحلام فرصته السهــد
تخادنا حلــوى الأمـــانى مثلمــــا * يهدهــد طفــــــل إذ يهز به المهـــد
ويكسو بنا عين البصـــــيرة برقع * فلولاه لم يقدم على عمــــل جهــــد
نصارع فوق الأرض أمر حيــاتنـــا * وللعيش بحر طبعه الجزر والمــد
وما نحن الا نبتـــــة موسميــــــة * وزرع سيطوي كل أطواره الحصــد
وما عمر الأجيـــال إلا موحـــــــــد * إذا جف عمر جاء رافده بعــــــــــد
وما قصر الأعمار الا تحــــــــــــول * لأخرى لتحيا الأرض والعمر ممتد
تذوب وقودًا للحياة نفوسنـــــــــا * ومن منجم الأرحام يتصل الرفـــــــــد
فلم أر إلا حكمة الزهد حيلـــــــة * ليخلص مـن أوجاع أطماعه عبــــــد
وما الناس إلا عاملان فبعضنـــــا * لبعض صديــق في سريرتـه الحقـــد
وذاك شقي أنهك الكد جسمـــه * وهذا سعيــــــد داؤه عيشه الرغـــــــــد
وليس رضياً في الحياة كلاهمـــا * ولكن فقر المرء يفضلـــــه الوجــــــد
يسيل لمعشوق الثراء لعابنـــــــا * ولم ندر أن السم يستره الشهــــــــــد
قضى الله للإنسان ماهو كائــــن * ويغــــرم بالأحـــــلام ليس له حـــــــــد
فقل لقوي اليوم ضعفك في غـد * كما أن ضعف الأمس في غده الرغــــد
يقلب رب العرش أحوال ملكـــــه * فليس لنا فيما قضى ربنــــــــــــــــا رد
* فهذا البيت (يقلب رب العرش أحوال ملكـــه فليس لنا فيما قضى ربنــــا رد) هو آخر بيت قرضه الوالد الحكيم رحمه الله رحمة واسعة وجعله في الفردوس الأعلى ووالديه وزوجه وذريته والمسلمين أجمعين. والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبت هذه الترجمة في ليلتين انتهتا في صبيحة اليوم التاسع من شهر جمادى الثانية لسنة ثلاثين وأربعمائة وألف إجابة على أسئلة موجهة من طلاب بحث التخرج في كلية اللغة العربية تحت إشراف الدكتور إبراهيم المطوع جزاه الله خيراً. والحمد لله رب العالمين. ثم راجعتها وزدت عليها يسيراً.
كتبه : د.عصام بن عبد الله السناني

hael1
عضو جديد








* أفضل ما أعجبني من قصيدة أو بيت: من من أحسن ما أعجبني من روائع شعر الوالد رحمه الله ما قاله في قصيدة بعنوان "يقولون" وهي في مرض والدته رحمها الله والتي كان مطلعها :

يقولون كيف الحال ؟ قلت كعهدكم * وتكفي حال من صحب المرضى
حيث ختمها رحمه الله ببيتين من روائع الشعر فقال :

سنصدق لولا قسوة في قلوبنا * ونبصر إن ناب الزمان لنا عضــــاً
وكم وعظتنا يوما بغيرنــــــــــا * وفي ذات يوم سوف تجعلنا وعظاً

* وكذلك ما جاء في قصيدته التي عنونها بـــــ "عرّج" ، والتي كان مطلعها :
ش
عرج على أطلال يعرب * واذرف على عدنان واندب

فقد ختمها برائعة من روائع الشعر حين قال :

ليت القبـور رفـاتها * كالروض يلوي ثم يخصب
لتعود دولـة أمــة * غربت وما خلقت لتغـــــرب

* أما أحسن القصائد في نظري فهي قصيدته التي مضى طرفها في رد تحية أحد الشعراء العراقيين ممن الشعراء العراقيين ممن وفد إلى عنيزة فمدحها فرد عليه الوالد بقصيدة طويلة من عيون الشعر عارض بها قصيدته فقال في مطلعها :

حيتك نجد صباها أو ندى ماهـــــا * ورندها وعبير في خزاماهـا
واستقبلتك مهود الشعر باسمــة * كأن نــور أقاحيهــا ثنايـاهـــا

* وقصيدته في رثاء الشيخ سليمان بن عبد الله النعيم رحمه الله التي قال في أثنائها :

والموت في هذي الحياة بدايـــــــــة * ونهايـــة لبداية ما أقصــــــــــــــرا
نأسى على الموتى ونحن وراءهــم * نطوي على جسر الحياة المعــبرا
نسهو ونلهوا بالحطـــام تهافتـــــــــاً * ومتى استهام القلب لن يتبصـــرا
لو زار زائـــرنا المقابــــــر واعيـــــــــاً * لأعاد تقييم الأمور وقــــــــــدرا
جثث تمـــــــــور ثيابهــــــــا أكفانها * فـوق التــراب وأخــتها تحت الثـرى
تنساق للأمــــل الخـــــدوع كأنمــــا * أخـذت بتمــديـــد الإقـــامة محضرا

* ومن ذلك قصيدته التي قالها رحمه الله في مرض موته والتي مطلعها (ستأتي كاملة) :

تضاحك دار عند ميلاد قــــــادم * نذير بكاء سوف يبعثه الفقـــــــد
وان عمرت دار تبسم معــــــول * وغازل من أحلام فرصته السهد


* وفاته رحمه الله ومرضه : كان عام (1406هـ) هو عام الحزن بالنسبة للوالد رحمه الله حيث فقد اثنين من أحب الناس إلى قلبه ، أحدهما والدته رحمها الله التي فقد معنى الحياة بموتها لولا بقائه داعياً لها كما قال في بعض شعره ، والثاني هو الشيخ سليمان بن عبد الله النعيم رحمه الله الذي مات قبلها بيسير وكان إماماً لمسجد حيِّ الفيحاء الأوسط وكان عابداً زاهداً محبوباً بين الناس ، فرثاه الوالد رحمه الله في قصيدة مطلعها :

آل النعيم مضى القضاء كما جرى * بفقيدكم حسب الرضـــا أن يؤجـــــرا
ودعت فيـه مع الأحبـة عابــــــــداً * حــــــــق الزمـــــــــان بمثله أن يعذرا

حتى قال رحمه الله :

ولقـــد ألفــــت المـــوت في أمثـــــاله * وفقــدتهـــم واعتــــــدت أن أتــــــذكرا
أحببتـهم منـــــذ الطــفولــــة والصبا * ولـدى الكهـولة صـار وجدي أكبـــــــــرا
فقـــد الرجـــال الصالــحين خسارة * فهم المعالــم في الطـــريـق لمن ســـرى
وحيــــــاتهم للمقتــــــدين سكـــــينة * فإذا مضــــوا وجــــم المكــــان وأقفــــرا
تتضــاعف الحسرات فيمن ركبـــــه * عن شــــأو ركبـــهم المجلـــي قصــــــرا
غالــــبت دمـــــعي والفــــراق مرارة * لا لــــــــوم للمحـــــزون أن يســتعبـــرا

* وبوفاة هاذين العزيزين على قلبه رحمه الله تغيرت حياته فاكتسى وجهه بمسحة حزن لا تفارقه ، وصار يفكر بالموت والاستعداد لآخرته بشكل أكبر ، وكان ذلك أحد أسباب تقديمه لتقاعده الذي لم يعش بعده إلا أحد عشر شهراً إذ أحس رحمه الله بشيء من الألم فراجع في مستشفى عنيزة العام القديم فترة ثمينة بلا طائل فأحالوه على المستشفى التخصصي ببريدة الذي وجهه سريعاً إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض ، وبعد الكشف عليه رحمه الله دخل عليه أحد الأطباء ممن نزعت الرحمة من قلبه فصدمه بأن أخبره بإصابته بمرض سرطان القالون وأنه منتشر ، ومع أن للموقف رهبة تلمحها في قسمات وجهه ذلك اليوم فقد تماسك رحمه الله فصبر عند الصدمة الأولى ــ ولله الحمد ــ فلم يقل إلا ما يرضي الرب عزوجل ، وعبّر ذلك في قصيدته التي قالها قبل خضوعه للعلاج الأول بالعمــــل الجراحي الذي قرره الأطباء لاستئصال الجزء المصاب والذي لم ينجح في وقف المرض ، فقرر الأطباء الانتقال للعلاج الكيمائي الذي استمر معه حتى قبل موته بقليل ولم يؤثر ولله الحمد في شعر رأسه أو لحيته التي كست عارضيه ، لكنها أبقت جسمه عظماً دون لحم ، وحين ذهبنا به في أول شهر محرم لموعده في المستشفى ، قال الطبيب : لا أمل له ، ولم يبق له إلا أياماً معدودة. فرجعنا به إلى عنيزة. وفي يوم الأربعاء التاسع عشر من محرم تأزم وضعه ودخل المستشفى وهو في غيبوبة كان يفيق منها مرات دون وعي كامل فيردد كلمة : "جت الصلاة ؟ أبصلي" فيبدأ في الصلاة ثم لا يكملهـــــا رحمه الله ، ولقد رأيت الطبيب قبل موته بيوم رحمه الله يغرز إبرة كبيرة الحجم جداً في رئتيه من جهة ظهره فيستخرج منهما سوائل كثيرة لأن المرض وصل إليهما فصعب عليه التنفس جداً ، حتى إذا كان في صباح يوم الجمعة الموافق للحادي والعشرين من شهر محرم سنة (1409هـ) في الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة أسلم روحه إلى بارئها ، فبادرنا بتغسيله وتكفينه ، وقدمناه للصلاة بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير بعنيزة ، فشيعه جمع كثير جداً من أهالي البلد ، وأثنوا عليه خيراً كثيراً مما أنطقهم الله به من خير والناس شهداء الله في الأرض فلله الحمد والمنة ، وكان رحمه الله قال لي قبل موته بخمسة أيام وقد أحس بدنو أجله : أرجو الله أن يجعل موتي في يوم جمعة ، فأعطاه ربه ما تمنى ، وجمع الله له من الأجور : أن مات بمرض البطن الذي من مات به مات شهيداً كما جاء في الحديث ، وأنه كان ولله الحمد صابراً على ما أبتلاه ، ثم مات في يوم فاضل صلى عليه جمع كبير في صلاة الجمعة أرجو الله أن يكون قد قبل شفاعتهم فيه وأوجب ثناءهم عليه. ومن فضل الله على الوالد رحمه الله أن الله أمهله ما يقارب سنة بعد معرفته بمرض موته ؛ لأن تأخير الأجل مع الإحساس بدنوه نعمة من الله على العبد الصابر خلافاً لموت الفجأة من وجهين : أحدهما : أن ذلك يكون تمحيصاً لذنوبه ورفعة لدرجاته ، وفي الحديث الذي رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَــالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ). الثاني : ليعيش لذة العبادة والتذلل والخضوع والاطراح بين يدي الخالق جل وعلا فيلقى الله وهو على حال يحبها الله له ، ولذا لمّا قال بعض الإخوة للوالد رحمه الله وهو يصلي القيام واقفاً في آخر رمضان أدركه ، أي قبل وفاته بأقل من أربعة أشهر وقد أنهكه المرض : لو صليت جالساً يا أبا سامي! فقال له رحمه الله : بل أصبر ، وما يدريني فلعله آخر رمضان أصليه ، وله رحمه الله قصيدة أظنها قبل مرضه بعنوان "وداعاً يارمضان" قال فيها رحمه الله :
بكيت على الفراق ولا أعاب * فلو حزني يخففه احتساب

فهل ألقاك يا رمضان حيّـــــــــاً * وفي نفسي التنسك والمتاب
فقد كنت الصديق يزور غبًّــــــا * وتزويه الأهلة والغيـــــــــاب
زمانك للنفوس ربيــــــــــع روح * به في النور تتسع الرحــاب
كأن العام هاجرة وجـــــــــــدب * وأنت صبا المرابع والربـــاب
به تصفو القلوب على التجلـي * وتسبح نحو خالقها الرغـــــاب
على القرآن تنبلج الخفايـــــــــا * فآذن النفوس لها انسيـــــــاب
بقلبي منك يا رمضان بــــــــرحٌ * فعيدي رغم فرحته اكتئـــــاب
لقاؤك كالطيور المهاجــــــــرات * تمر وفي عزيمتك الذهـــــاب

* ثم لنختم هذه الترجمة له رحمه الله بقصيدته التي كتبها بعد معرفته بمرضه الأخير وقبل دخوله لغرفة وقبل دخوله لغرفة العمليات لإجراء عمليته الأخيرة ، فنعى رحمه الله نفسه مسلماً ومؤمناً بما قدره ربه تعالى فقال :
تضاحك دار عند ميلاد قادم * نذير بكاء سوف يبعثه الفقـــد
وإن عمرت دار تبسم معــــــــول * وغازل من أحلام فرصته السهــد
تخادنا حلــوى الأمـــانى مثلمــــا * يهدهــد طفــــــل إذ يهز به المهـــد
ويكسو بنا عين البصـــــيرة برقع * فلولاه لم يقدم على عمــــل جهــــد
نصارع فوق الأرض أمر حيــاتنـــا * وللعيش بحر طبعه الجزر والمــد
وما نحن الا نبتـــــة موسميــــــة * وزرع سيطوي كل أطواره الحصــد
وما عمر الأجيـــال إلا موحـــــــــد * إذا جف عمر جاء رافده بعــــــــــد
وما قصر الأعمار الا تحــــــــــــول * لأخرى لتحيا الأرض والعمر ممتد
تذوب وقودًا للحياة نفوسنـــــــــا * ومن منجم الأرحام يتصل الرفـــــــــد
فلم أر إلا حكمة الزهد حيلـــــــة * ليخلص مـن أوجاع أطماعه عبــــــد
وما الناس إلا عاملان فبعضنـــــا * لبعض صديــق في سريرتـه الحقـــد
وذاك شقي أنهك الكد جسمـــه * وهذا سعيــــــد داؤه عيشه الرغـــــــــد
وليس رضياً في الحياة كلاهمـــا * ولكن فقر المرء يفضلـــــه الوجــــــد
يسيل لمعشوق الثراء لعابنـــــــا * ولم ندر أن السم يستره الشهــــــــــد
قضى الله للإنسان ماهو كائــــن * ويغــــرم بالأحـــــلام ليس له حـــــــــد
فقل لقوي اليوم ضعفك في غـد * كما أن ضعف الأمس في غده الرغــــد
يقلب رب العرش أحوال ملكـــــه * فليس لنا فيما قضى ربنــــــــــــــــا رد
* فهذا البيت (يقلب رب العرش أحوال ملكـــه فليس لنا فيما قضى ربنــــا رد) هو آخر بيت قرضه الوالد الحكيم رحمه الله رحمة واسعة وجعله في الفردوس الأعلى ووالديه وزوجه وذريته والمسلمين أجمعين. والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبت هذه الترجمة في ليلتين انتهتا في صبيحة اليوم التاسع من شهر جمادى الثانية لسنة ثلاثين وأربعمائة وألف إجابة على أسئلة موجهة من طلاب بحث التخرج في كلية اللغة العربية تحت إشراف الدكتور إبراهيم المطوع جزاه الله خيراً. والحمد لله رب العالمين. ثم راجعتها وزدت عليها يسيراً.
كتبه : د.عصام بن عبد الله السناني

hael1 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
hael1 غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس