لكن لشدة ولعهما ببعض .. كانا يأملان ألا ينتهي ذلك الحب وتمنيا ان يتزوجا ويعيشا مع بعضهما البعض
بقية حياتهما .. رغم ذلك الفرق الكبير .
كم كانا يتوقان لرؤية بعضهما البعض على الطبيعة وليس كما اعتادا .. لكن ذلك لم يكن ميسرا .. فكل منهما يسكن في مدينة بعيدة عن الاخر .. ولم
يكن ذلك هو السبب الوحيد .. لكن ريم لم تكن تستطع الخروج لوحدها .. كان يجب على احد الخروج معها اذا ارادت ذلك .. فهذا ما فرضه حال ابيها
ومنصبه عليها .. فكم يخاف على بناته واهله .. ولكنها قررت ان يروا بعضهما عندما تخرج برفقة اهلها .. فهي لا تغطي وجهها ومن الممكن أن يراها
أحمد وتراه .. وذهبت تلك المرة للمدينة التي يسكن بها أحمد .. برفقة بعض قريباتها .. واتفقا على المكان والزمان .. ورأوا بعضهما .. كم كان ذلك
مختلفا عما كانا يراه في الصور .. فلم يبدوان في الحقيقة كما في الصور ... بالطبع كانوا اجمل .. واكثر جاذبية .. وكم كانا سعيدان لاستطاعتهما
رؤية بعض ..
(( يامن يراعيني بعينه وارعيه .. بعيون قلبي كل ما لاح زوله .. يفز قلبي لا تبدت مواريه .. واغض عنه الطرف والناس حوله))
ثم توالت من بعد ذلك لقائات مماثلة .. فريم استطاعت اقناع اهلها بالسفر دوما للمدينة التي يسكنها احمد لأنها أسواقها دائما تأتي بالجديد .. ولأن أهلها
لا يرفضوا لها طلبا فقد كانوا يوافقون على ذلك .. رغم ان ريم لم تكن في حاجة تلك الأشياء التي تشتريها .. كانا ينظران إلى بعض فتزداد فرحتهما
.. وبمجرد ان يغيبا عن بعض .. تزداد نار الشوق .. فالنظر لن يطفيء شوقهما .. حتى ان اللحظات التي يريان بيعضهما فيها تمر كالحلم ..
(( وكالحلم جئتي .. وكالحلم غبتي .. واصبحت انفض منك اليدا
فما كان أغربه ملتقى .. وما كان اقصره مواعدا
رايتك والجمع ما بيننا .. فلم أر غيرك عبر المدى
شفاه كما يتحدى الربيع .. وجفن كما تتعرى المدى
فيا لك من وردة ارهقت.. بحوم الفراش وسقط الندى
ويا لي من شاعر عاشق .. ينادي الهوى فيخوض الردى))
تأكد أحمد بأن ريم فعلا بنت عائلة كبيرة .. فقد بدا ذلك من سياراتهم التي يأتون بها .. والسائقين والخدم المرافقين لهم .. وكذلك ملابس ريم وأهلها
وهيئتهم الأكثر من رائعة .. كانت تلك اللقاءات تزيد ولعهم ببعض .. وبعد فترة قاربت السنتين .. حدث خلالها الكثير من الاحداث التي أثبتت أنهما لا
يستطيعان مفارقة بعضهما .. وان حبهما يربط بينهما بقوة غير طبيعية .. حتى لو اختلفوا .. وافترقوا للحظات .. فإن المخطيء يعود للإعتذار .. بعد
ان يكـتشف أن حبه ليس وهما .. وليس من السهل نسيان ذلك ..
(( القلب من يمكم نزاع .. لو حاولوا صعب تحويله ))
أخيرا .. وبعد طول الانتظار .. حانت الفرصة للقاء .. الذي طالما انتظراه .. وكل منهما متشوق لذلك اللقاء ..
سنحت فرصة لريم بالخروج .. ليس لوحدها .. لكن تدبرت الامر .. وسترسل الخادمة المرافقة لها بعيد .. حتى تستطيع مقابلة أحمد .. الذي طالما كان
يردد في قلبه ..
(( متى الوصل؟ قول .. لاجيك واسابق الساعة ))
كان الوضع لأحمد أيضا مناسب .. ويا لهفة المشتاق .. ويا فرحته للقاء حبيبه الذي طال انتظاره .. كانا يعدان الدقائق والثواني للوقت الذي يتلاقيان
فيه .. وكانت تلك أمنيتهما .. التي طالما حلما بها ..
((منيتي أسهر معاكم كل ليلة ..
واشتري بعمري رضاكم ليلة بليلة
يروادني أمل في ليلة ألقاكم
وأطرز بالفرح أحزان فراقكم ..))
اقترب الموعد .. وذهبت اللحظات سريعة .. اقترب من المكان الذي تواعدوا فيه .. وكانت الرسائل لا تنقطع بينهما .. وحانت اللحظة التي يتقابلان
فيها .. وتنكسر الحواجز بينهما .. ويتحدثان مع بعضهما مباشرة بلا وسيط .. ويلمسان بعضهما بعدما انتظرا ذلك طويلا ..
(( قبل الوعد جيت بدقايق .. وبعد الوعد جات بدقايق
والتقينا بلهفة العاشق لعاشق .. واهمست لعيون بتشاور علينا ))
طلت أمامه كالبدر الذي انار دجى ليل أسود طويل .. طلت حتى انه احس بعجزه عن الكلام فقد كانت لحظات يعجز اللسان عن التعبير عنها .. كاد
قلبه ان يطير من مكانه .. من شدة الفرح .. وهو ينظر الى وجهها المضيء وثغرها المبتسم وعيونها الجارجة ..
(( والهوى غنى طرب .. تستثيره بسمتك ))
كم كانت تلك النظرة لتسلب عقول الكثير .. فكيف به وهو يعلم ان تلك الفتاة الأشبه بالملاك تحبه من كل قلبها .. وبدا واضحا فرحتها الشديدة بلقاءه
..رغم ان تلك اللحظات لم تكن سوى عدة ثواني .. إلا انها كانت حينها كالدقائق بل كالساعات .. فالكثير من المشاعر والأحاديث تبادلتها الأعين ..
أعين المحبين المشتاقة .. شتت جدار الصمت همسها الرقيق .. بعد ان قامت بتحيته .. ورد بدوره التحية .. وهما ينظران بدهشة .. محاولين تصديق
ما يجري .. كم كانا يتمنيان لو انهما استقبلا بعضا بالأحضان .. علها تخفف من شوقهما ولهفتهما العارمة ... لكن ذلك لم يحدث لأن المكان شبه عام
.. ومن الممكن أن يراهما اي شخص ... اخبرته بالمكان الذي سيجلسان فيه .. وان الوقت لن يتعدى الساعتين أو أقل ..
جلسا ينظران لبعضهما البعض .. امسكت ريم بيد أحمد .. وقالت هاهي اللحظة التي كنا ننتظرها .. ينظران الى المكان والناس من حولهما .. يقبل
أحمد يد ريم .. التي طالما حلم بلمسها .. كم كانا يتمنيان ان يبتعدان اكثر عن انظار الناس .. لكن هذه اقصى استطاعتهما .. ولكن يضلان سعيدان
بجلوسهما مع بعض .. والتحدث .. ولم تكن ايديهما لتنفك عن بعض .. تحدثا كثيرا .. ولم يلقوا لمن حولهم بالا .. فقد أحسا بأنهما في عالم خاص ..
بعيد عن أعين الناس .. يتحدثان لحظات .. ويتأملان بعضهما للحظات .. فما يرونه الآن غير ما رأوه سابقا .. لقد رأى أحمد جمال ريم الحقيقي ..
رأى بوضوح كم هي جملية .. وكم هي رقيقة .. لمس يديها .. كم هي ناعمتان .. ويالشعرها الناعم .. ويالإبتسامتها الجذابة .. ويالصوتها الرااائع ..
ينظر إلى كل هذا .. وفي قلبه هم يعتصر .. كم يحبها .. وكم تعلق بها .. وزاد تعلقه بها أضعاف أضعاف بعد ان جلس الى جوارها .. فكلاهما يعرف
أن ليس لهما نصيب ببعض .. رأت ريم نظرات أحمد .. وفهمت ما يفكر فيه .. حاولت ان تشد انتباهه بعيدا عن هذا التفكير .. ولكن سرعان ما بدأت
هي الاخرى تفكر في نفس الشيء .. وقلبها يعتصر هما وأسى .. اقتربت الى جانبه .. وهي ممسكة بيده .. ووضعت رأسها على صدره .. وهي تتمنى
ألا تنتهي هذه اللحظات .. وأن لا ينتهي ما بينهما أبدا .. وكذلك أحمد .. ضمها إلى جانبه .. وممسكا بيدها .. وتدور الافكار في رأسه .. ليتني كنت ذا
جاه ومال .. ليتني استطيع الزواج بها .. ليت وليت وليت .. ولكن لا ينفع التمني صاحبه .. تخنقه العبرة .. فيكتمها ويخفيها .. تنظر إليه ريم ..
ويخالجها نفس الشعور .. ولكن ما العمل ؟ ..
يصحوا احمد من تفكيره العميق .. وينظر إلى محبوبته بجواره .. لماذا فعلت هذا ؟ أنا احبها فعلا .. لكني أدرك انها ليست من نصيبي .. ماذا لو رآنا
شخص يعرفها ؟؟ ترى ماذا سيحل بها ؟ ألن تنقلب حياتها إلى جحيم ؟؟ كيف أكون سبب ذلك لحبيبتي التي طالما أحببتها ؟! .. قطعوا تلك الافكار
ببعض الأحاديث .. ثم شارف الوقت على الانتهاء .. وهمت ريم بالاستئذان.. فقد يكتشف أمرها لو بقيت لوقت اطول .. كاد قلب أحمد أن يتقطع أسى
وحزنا .. فقد حانت لحظة الوداع .. لحظات مريرة تلك اللحظات .. ولكن ليس بيديهما شيء .. ظلوا ينظران لبعضهما لعدة لحظات .. هل سنفترق
الآن ؟؟ ما أسرع انقضاء اللحظات الجملية .. إنها أشبه بالحلم الجميل الذي لا نود انتهاءه .. ينظر أحمد من حوله .. ثم يقترب منها .. ليزرع قبلة
على خدها .. تبتسم ريم .. ويودعها وتودعه .. وتمضي في طريق العودة .. وهو ينظر إليها ..
(( راحت مشت .. وعيوني تتبعها ..راحت مشت .. مجبور أوادعها ))
عاد أحمد لمدينته .. ولم يتوقف عن التفكير بما جرى .. وبما رأى .. فما رآه من جمال يفوق الوصف .. مما كان له دافعا قويا جدا في كتابة قصيدة
طويلة .. معبرا فيها عن اعجابه بجمالها وحبه الذي لا يوصف .. وأنه لن يحتمل فراقها ويتمنى الموت على ذلك ..
تمر بعض الايام .. ويلاحظ احمد تغير ريم .. فحالها تغيرت بعد ذلك اللقاء .. وعندما سألها .. حاولت التظاهر بعدم وجود أي مشكلة .. ولكن اعترفت
اخيرا بأنها حزينة جدا .. لأنهم سيفترقون عاجلا أم آجلا .. وان اللقاء الذي تم زاد تعلقها به لحد الجنون ..
بدأ كلا منهما يفكر فيما سيجري .. فاستمرار العلاقة سيزيد ولعهما ببعض .. ويؤجج النار في قلوبهما .. ولا يوجد حل سوى هو الابتعاد عن بعض ..
ياله من قرار صعب .. ولكنهما مخيران بين امران .. احلاهما مر .. كيف سيواجه أحدهما الآخر بذلك الأمر .. وكيف .. وكيف ..
بعدما تحدثوا في الموضوع .. اتفقوا على الابتعاد عن بعضهما فترة من الزمن .. حتى يتسنى لهما نسيان بعضهما .. ومن ثم يعودان كأصدقاء لا تربط
بينهما علاقة الحب .. ولا يكلمان بعضهما هاتفيا .. وتم ذلك .. فقد افترقوا شهرا كاملا .. وما اصعبه من شهر .. فقد اعتادوا على بعض مدة طويلة
من الزمن .. لم يكونا يفترقان عن بعضهما يوما .. بل كانوا يحسون أن أحاسيسهم مشتركة .. مهما ابتعدوا عن بعض .. مر الشهر كالسنة .. وعادوا
وهما يحاولان تناسي ما كان بينهما ..
(( يا عشيري شمسنا غابت علينا .. ليت شمس الحب تطلع من جديد ))
قد يتناسونه في كلامهم .. لكن لن تنساه قلوبهم .. فقد نقش حبهم في القلوب نقشا .. لن ينسونه ما طال بهم العمر ... ولكن هذا ما حكم به الزمان
عليهما ... اجبرهما على نسيان الحب الذي عاش فترة من الزمن ليست بالقصيرة ..