قال
روح التميمي :
الأستاذ عبدالرحمن الهقاص (أبوزياد) شاعر ممتع , في شعره رقة وعذوبة ووضوح ,
ولا يخلو من طرافة وإمتاع , قرأت بعض شعره فوجدته كذلك .. وأتصور أن أبا زياد أكثر شعرائنا المعاصرين
توثيقا لبعض الأساليب والتعبيرات غير المعمرة , وأقصد تلك التعبيرات التي تفرزها ثقافة مرحلة معينة ,
فتزول بزوالها , ولتوضيح الصورة تأملوا معي البيت التالي :
لـو ان شِـعْـرِي فيِ مـسَـارح خِـلـِّــي=اركـض ورا نــَاسٍ تـِبُـطَّ الــخَـالِه*
فتعبير(تبط الخالة) أو (بُطّ الخالة) تعبير عامي صرف , وربما محلي صرف كذلك , وأظن أنه ولد وراج
في التسعينيات الهجرية , ثم مات بانتهاء ذلك العقد , وهو تعبير كنائي عن الدفع , فإذا قيل (بط الخالة)
فالمعنى ادفع مالا , و(تبط الخالة) في البيت معناه : تدفع ..
وإذا صح أن تخصص بعض التعبيرات حسب الجنس والمرحلة العمرية , فإن هذا التعبير ـ حسب علمي ـ
كان يستعمله المراهقون الذكور في ذلك الزمن ,ولست أعرف منشأه , ولعل بعض المطلعين ممن وعوا
تلك الحقبة الزمنية , أو من له اهتمام بالتقصي التاريخي لبعض المفردات , يفيدنا عن أصله ..
وأبو زياد .. شخصية ارتبطت بالمكان وامتزجت به امتزاج التماهي والذوبان , وكثير منا ربما بلغ هذه المرحلة ..
لكن أبا زياد مختلف , فقد عبر عن سحر المكان , وشرح المشاعر , فتذكر وعدّد وتغنى بتلك المعاهد الساحرة ,
وذلك الوقت الجميل .. وعرض لنا بأسلوبه السهل الممتع مقاطع بصرية وسمعية من فلم يعبق بسحر الواقع
الذي أمسى خيالا تذوب لذكراه القلوب , وتنتشي بمعاقرته المشاعر .. فقد تغنى بعنيزة الوطن والتاريخ
والجغرافيا والثقافة والمكانة .. وتغنى بعنيزة الكل والأحياء , وتغنى بعنيزة الروح والمشاعر والولاء ,
وتغنى بعنيزة الواجب والوفاء .. فأبدع غاية الإبداع , وأعادانا من خلال عنيزياته إلى تجديد العهد بتلك
الروابط الروحية التي ميزت علاقتنا بعنيزة , وأصبحت علامة فارقة في محبة الأوطان لا ينافسها ـ في الجزيرة
وربما خارج الجزيرة كذلك ـ منافس , حتى صارت مضرب المثل في معادلة (الأرض ـ الإنسان) ..
وأبوزياد .. إنسان مخلص صاحب واجب , والواجب تجلى في رثائياته المعبرة عن صدق المشاعر تجاه المرثيين ,
وله في هذا الغرض أكثر من خمس وعشرين قصيدة , وهو رقم كبير , وله دلالاته الأخلاقية والنفسية كذلك .
أما أبوزياد الشخصية الإنسانية فهو رجل واضح , نقي , مرح , يأسرك بحديثه , وينسيك بتدفق روحه
ما تريد قوله , وهو في الوقت نفسه لماح ذكي , يقدر الأمور حق التقدير , ويفطن للصغائر المؤثرة فيراعيها
وفق ما يقتضيه الذوق .. تحدثه وأنت لا تعرفه فتشعر في أثناء الحديث أنه يعرفك , فينقل إليك
جو التناغم الحواري بكل سلاسة , فإذا تركته شعرت أنك أصبحت تعرفه منذ زمن !
أبو زياد .. شخصية تشعر معها بعبق الماضي , وأصالة الحاضر .. فلا يزال قاموسه اللغوي ـ شعرا أو حديثا ـ
يحتفظ بخصوصية المكان والثقافة , ولا تزال فيه تلك الميزة التي تدرك ولا توصف في أبناء عنيزة الأوفياء ..
أبوزياد .. شاعر تاهت روحه بين مزارع عنيزة وأحياء عنيزة القديمة .. فهو يركض بين تلك المغاني
ويتعثر في تلك الرياض , بحثا عن مخرج الزمن .. وليته يدوم في هذا التيه !
أبو زياد نموذج مثالي للشخصية العنيزية بكل مقوماتها الأخلاقية والنفسية والاجتماعية والثقافية ...
هذه خواطر سريعة تداعت من غير ترتيب على فكري وأنا أكتب تقديما لموضوع مقتبس من ترجمة أبي زياد
لنشره في بعض المنتديات .. ورأيت أن أضع هذا التقديم السريع هنا لعلاقته بصاحب السيرة ..
وللجميع تحياتي