ويلاحظ على مجرى هذه الأحداث التي تعتبر طبيعية في البادية ، أن الفتاة يحق لها أن ترفض الزواج بمن لا تحب ، وإن (عقاب) لم يستطع أن يحصل على (نوت) مهما بلغ من قوة ونفوذ ، لو لم تعلن (نوت) حبها له ورفضها الزواج من سواه .
وإذ يشتد ساعد (عقاب) ويضيق الخناق على (شمر) التي تدور معارك كثيرة وكر وفر بينها وبين (العواجي) . يجتمع الفرسان ويصبون بينهم (فنجانا) من البن يتعين على ما يتقدم لشربها أن يتعهد بقتل (عقاب العواجي) وتمتد يد (أبا الوقي) إلى الفنجان ولم يكن هذا من عائلة تشتهر بالفروسية . وتحدث معركة بين الطرفين يتقابل فيها (عقاب) و(أبا الوقى) وجهاً لوجه . وسقط الفارسان على الأرض وعلا غبار المعركة وتبادل كل منهما سيف صاحبه الذي سقط منه على الأرض وأخذ كل منهما عنان الجواد الذي يعود لصاحبه دون أن يعلما بذلك إلا بعد أن إنجلى غبار المعركة .
وقد أشار شاعر شمر (مبيريك التبيناوي) إلى ذلك فقال :
(أبا الوقي) يالبيض خضبن يمناه = وأنا أشهد أنه من عيال الحمايل
السيف من يمني (عقاب) خذيناه = والخيل بدل كدشها بالأصايل
ومن روائع القصيد الذي أورده المؤلف تلك المباهاة الجميلة بين شيخ قبائل حرب ، (ابن فرهود) وبين الشيخ (سعدون العواجي) .
قال الشيخ (ابن فرهود) مخاطباً (عقاب) :
يا (عقاب) لا تقفي بثار (الشعالين) = انكس لدارك يا كريم السبالي
نبي نطارد شاربين الغلاوين = ونأخذ عوض (شملا) بكار جلالي
أما جدعنا (عقاب) ليث الغلامين = وإلا جدعنا (حجاب) ريف الهزالي
وأجاب (سعدون) على هذه القصيدة بقوله :
يا ناشد عنا ترانا مقابيل = ننزل لك (رخا) ونأخذ ليالي
نبي نطاردكم على شرد الخيل = و نشوف منهو للسبايا يوالي
و اللي يطارد خيلكم صفوة الخيل = بإيمانهم مثل المحوص المدالي
اليا غدا فيكم غدا فيكم الويل = ويروي حدود مصقلات السلالى
عدونا نسقيه ويل باثر ويل = و صديقن ا يشرب قراح زلالي
وتتجه خيل (سعدون) وأبنائه إلى ديار (حرب) وينزلون (رخا) ويهرب من أمامهم (ابن فرهود) تاركاً الكثير من الخيل والإبل ويقف سعدون مفاخراً بشجاعته :
إن كان (ابن فرهود) يطلب لقانا = جينا على الزرفات خيل الصحابه
جينا وربعه قوطره في نحانا و(شملا) تزايد ينها في حمانا وياما خذينا غيرها من جلابه
وجبنا البكار المكرمات السمانا = و طرش كثير و لا عرفنا حسابه
حنا ليا صلنا طوال خطانا = و هذي عوايدنا نهار الحرابه
نجيك فوق مكاظمات العنانا = صغر عليهن لابسين العصابه
نرقد بأمان الله وتسهر عدانا = ومن فعلنا يسهر كبير المهابه
كان (عقاب العواجي) لا يقر في مواقعه ، بل هو دائم الحركة لا يكاد يفرغ من غزوة حتى يبدأ بالتهيؤ لغزوة أخرى . وفي إحدى هذه الغزوات التقي بثلاثمائة فارس ، ولم يكن معه سوى ثمانين مقاتلاً فكان الطراد بينهم سجالاً ، وقد خسر (عقاب) من مقاتليه عدداً ليس بالقليل .
وكان من بين القتلى شاب تزوج حديثاً ، فاعترضت زوجته الشابة طريق (عقاب) تسأله عن زوجها قائلة :
يا (عقاب) يا حبس الظعن باللقا الشين = ياللي حريبك بالهزيمة يمنا
عينت ذيب الخيل يوم الاكاوين = نور العيون بغيبة الشمس عنا
هو سالم والا رموه المعادين = يا (عقاب) خبرني تراي أتمنا
وقد أجابها (عقاب) بقصيدة طويلة وصف فيها المعركة وأخبرها من خلال القصيدة بمقتل زوجها وعلى نفس الوزن والقافية :
يا بنت ياللي عن حليلك تسألين = حنا لنا حي يسألون عنا
خمسة عشر ليلة على الوجه مقفين = ندور وضح بالاباهر تحنا
جونا ثلاثمية وحنا ثمانين = مثل المحوص الشلق منهم ومنا
وبانت رديتهن وشفنا الرديين = وكل عرفن ا عزوته يوم كنا
ليتك تراعي يا عذاب المزايين = يوم أن عيدان القنا يطعننا
منا حليلك طاح بين المثارين = في ديرة فيها الوضيحي تثنا
ومنهم جدعنا عند شوقك ثلاثين = وكم خير من راس رمحي يونا
في ساعة فيها تشيب الغلامين = أنطح نحور الخيل يوم أقبلنا
ياما نقلت الدين و الحقته الدين = وحريبنا في نومته ماتهنا
أرسى لهم يا بنت وأنت تعرفين = لياما حمام النصر رفرف وغني
وقلايعي من نقوة الخيل عشرين = قب ولا فيهن ثبار ودنا
وتدور الأيام ويخسر (سعدون العواجي) كلا ولديه (عقاب) و(حجاب) في معركة مع (هايس القعيط) شيخ قبيلة آل بريك – شمر – من الجزيرة بالعراق .
فخلال إحدى المعارك أبعد (عقاب) و(حجاب) في مطاردة (شمر وهايس القعيط) بعد أن إنهزموا في بداية المعركة ، لكن الأعداء ما لبثوا أن عادوا إليه إذ وجدوهم قد أبعدوا عن مقاتليهم فظفروا بـ (عقاب) أولاً ثم ألحقوا به أخاه (حجاب) بعد أن ظل جماعتهم خلفهم منشغلين بالغنائم التي غنموها في بداية القتال وبـ (زماميل الخيل) الذين يحملون الماء والشعير الذين أسروهم من شمر وكان عددهم سبعين شخصاً .
وفي هذه المعركة التي قتلت فيها شمر قادة العواجية وفرسانها (عقاب) و(حجاب) قال شاعر شمر مفاخراً وهو (مبيرك التبيناوي) :
إن كان (هيفا) تزعج العام الأصوات = (نوت) يروع اليوم جضة قطينه
(عقاب) رمنه يوم الأفراس عجلات = وكل حثات البراثين وتينه
فوات قبل مدورين الجمالات = ياليت عقال الملا حاضرينه
و(حجاب) ياما قال بالبيت : قم هات = عزى لكم يالابة فاقدينه
أما الشاعر رشيد بن طوعان ، فقد نظم هو الآخر قصيدة يفاخر فيها بقتل أبناء سعدون العواجي يقول فيها :
إن كان (نوت) تزعج الصوت بالحيل = لعيون (هيفا) نردع الشيخ بـ (حجاب)
أربع ليال مالقته المراسل = عليت وجه كوح العصر بتراب
حريمنا لجن بزين الهلاهيل = متحريات شلعة الحر لعقاب
وحريمهم تصرخ صريخ المحاصيل = جاهن عليم مع هل الخيل ما طاب
يا (ضبيب) لو ذبحت كل الزماميل = ذبحة دخيل البيت ما ترفع الباب
دنياك هذي يالعواجي غرابيل = من شق جيب الناس شقوا له أجياب
وظل الشيخ سعدون بعد المعركة لا يعلم شيئاً عن مصير ولديه يسأل عنهما الفرسان العائدون فلا يجرؤ أحد أن يقول له أنهما قتلا .. وفي دوامة القلق الرهيب قال (سعدون) هذه الأبيات :
البارحة نومي بروس الصعانين = طوال ليلي ما تهنيت بمراح
كبد نعالجها بعوج العلاوين = وروابع ما تودع القلب ينساح
بلاي والله ياملا خابر شين = تظهر علينا مرمسات إلى راح
اللي يكف الخيل كف البعارين = ويرخص بروحه يوم يغلون الأرواح
بعد مقتل ولديه ، كبر مصاب (الشيخ سعدون) الذي ظل متأثراً بهذا الحادث المفجع حيث فقد الابنين في معركة واحدة وهما اللذان شيدا له مجده وأقاموا بيته شامخاً في وجه (شامخ) ومن بين أشهر القصائد التي قالها (الشيخ سعدون) يورد المؤلف اثنتين ، قال في أولاهما :
ياونه ونيتها تسع ونات = مع تسع مع تسعين مع عشر ألوفي
مع كثرهن باقصى الحشا مستكنات = عداد خلق الله كثير الوصوفي
على سيوف بالملاقي مهمات = سيفين أغلي ما غدا من سيوفي
خليتني يا (عقاب) ما به مراوات = عيالك صغار والدهر به جنوفي
من عقبكم ما نبكي الحي لو مات = ولاني على الدنيا كثير الحسوفي
ويا طول ما جريت بالصدرونات = على فراق معطرين السيوفي
ويا (عقاب) عقبك شفت بالوقت ميلات = و أوجست أنا من ضيم بقعا حفوفي
مرحوم يا نطاح وجه المغيرات = إن جن كراديس السبايا صفوفي
مرحوم يا مشبع سباع مجيعات = وعز الله عقبكم زاد خوفي
كان من حق الشيخ (سعدون) أن يفتخر بولديه وأن يتوجع لمصرعهما ، لأنهما لم يبنيا مجده وعزه فقط ، إنما بنيا مجد القبيلة وهيبتها ، حتى أن الناس صاروا إذ يعجبون بشجاعة شخص يسمونه عواجيا نسبة إلى (عقاب الجواجي) وأخيه وأبيهما .
وهذه القصيدة الأخرى التي أشار إليها الأمير الشاعر والتي نظمها (سعدون العواجي) بعد مقتل ولديه إذ يقول في بعض أبياتها :
يا علي وين اللي رعينا بهم هيت = حال اللحد من دونهم والظلامي
البارحة يا شمعة الربع ونيت = ونه صويب ومكسره بالفطامي
عز الله أن لو يا علي ذليت = لبينت وأنا على الناس قامي
واليوم من باقي حياتي تبريت = عقب الشيوخ معدلين الجهامي
ويا علي عفت الحي من كثر ماريت = وجريت للونات والقلب دامي
راح (العقاب) الصيرمي شايع الصيت = يا علي من عقبه تراعد عظامي
خلف (عقاب) و(حجاب) ولدين ظلا موضع رعاية جدهما (الشيخ سعدون) الذي أشرف على تربيتهما وعهد بهما إلى من يعلمهما فنون القتال .
وإذ إكتملت رجولة الحفيدين الشابين طلب (الجد) من كل منهما أن يقول قصيدة يلتزم فيها بأخذ ثأر أبيه من (هايس القعيط) والذي تكون قصيدته أحسن ، يستلم (المهرة) بنت فرس (عقاب) المسماة (فلحا) وهي من أكرم أصائل الخيل . وكانت القصيدة التي أعجبت الجد ، هي التي قالها ولد (عقاب) وجاء فيها :
لابد من يوم يزرفل كميه = وكل يحسب مربحه و المخاسير
ثار لبوي (عقاب) فرض عليه = عليه وصاني زبون المقاصير
(سعدون) جدي هو خلف والديه = شيخ الجهامة والسلف والمظاهير
دين على (هايس) زبون الونيه = يجيبه المعبود والي المقادير
إن ما نطحت الخيل عيب عليه = إن وردوهن مثل أثامي الخنازير
عيب علي الفروة الوايليه = وأحرم من الفنجال وسط الزرازير
وتشاء الظروف أن يحدث نزاع بين (ابن بكر شيخ السويلمات) وبين (هايس القعيط) في وديان عنزه ، وطلب (ابن بكر) النجدة والعون من عنزه ، بينما طلب (هايس) العون من شمر ، فصارت الإمدادات تصل من الطرفين . وهنا وجد (سعدون العواجي) الفرصة سانحة للإقتصاص من قاتل ولديه ، فدفع بحفيده – ابن عقاب إلى المعركة وأوصاه أن يتتبع (هايس) بالذات ليأخذ بثأر أبيه .
ويسرد الأمير المؤلف تفاصيل المعركة الكبرى التي دارت بين شمر وعنزه ، وكيف ينجح ولد (عقاب) في إستدراج (الشيخ هايس) إلى أحد أطراف المعركة ليقضي عليه :
- هل تعرفني جيداً ؟
- نعم أعرفك ، فأنت ابن عقاب العواجي وشبيهه ، ولكني لم أقتل أباك ، بل الذي قتله غيري .
- أنا لم أسألك من قتل أبي ، ولكني أسألك بالله أن تبلغ والدي سلامي وتقول له أن ولدك قد أخذ بثأرك وتشرح له ملابسات المعركة ، ثم علا رأسه بالسيف وقضى عليه .
وما إن وصلت الأنباء إلى الشيخ سعدون ، حتى أقيمت سرادق الفرح واجتمع رجال الحي يهنئونه ونحرت الإبل والنساء يزغردن من الفرج ، وطاب يوم (سعدون) الذي راح ينشد :
يا ناس زول (عقاب) ماني ناسيه = عقبه فلا تسوى ريال حياتي
لو من غذا جرو لقا ما هقا فيه = كان العرب كله تسوي سواتي
الورع ورع (عقاب) لاخاب راجيه = حول بـ (هايس) ماتناسي وصاتي
منقول من موقع الأمير محمد السديري