(التشطير والتخميس في الشعر ..)
كنت أتحدث أنا والزميل ماجد المغيولي حول شاعرنا الكبير المرحوم (أبوماجد) , وقال ماجد :
قرأت بعض المشطّرات والمخمسات لـ (أبوماجد) , فأعجبني هذا الفن , وأظنه نادرا في الشعر النبطي ..
قلت : التشطير والتخميس من فنون البلاغة , وزخرفة القول , وهما من محسنات الشعر المعروفة في الشعر الفصيح ..
ولا أعرف من شعراء النبط من شطّر أو خمّس .. فاقترح علي أن أكتب موضوعا حولهما , لأنهما فنّان جميلان
وفيهما متعة وطرافة , فقلت : وهو كذلك , وأرجو أن يسمح الوقت بالرجوع إلى المصادر , وتحضير ما يحسن نشره هنا
وهاأنذا أدوّن ما تيسر , فأقول :
البديع أحد ثلاثة علوم من علوم البلاغة , وهي (علم البيان) , و(علم المعاني) والثالث هو علم (البديع) ..
وهذا الأخير يعنى بالمحسنات اللفظية كالجناس , والمعنوية كالتورية .. ويرى مؤرخو البلاغة أن التأليف
في مجال البلاغة والنقد انحدر منذ أن لجأ البلاغيون إلى أسلوب التلخيص والاختصار , وفصل مباحثها عن الأدب ,
بحيث عقمت وأصبحت قواعد جافة كالنحو والصرف .. ولعل الفخر الرازي والسكاكي من أوائل من عمدوا
إلى التلخيص والاختصار , وكرّسوا لظهور عصر البديعيات في القرن السادس الهجري , وهي قصائد تنظم غالب
ا في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم , ولكن ليس الغرض الأساسي هو المدح بقدر ماهو اشتمالها على
جميع أنواع البديع وقد تنافس المؤلفون في تعداد أنواع البديع وكأن المسألة أصبحت إحصاء لصور التعبير الأدبي
(والتشطير والتخميس) من فنون البديع التي أحصاها أصحاب البديعيات وخصوصا الأول , كما أن لهما علاقة
وثيقة بالعروض وأوزان الشعر باعتبارهما شكلين من أشكال القصيدة كالموشحات والدو بيت والكان وكان والزجل ..
والمقصود بـ (التشطير)
أن يعمد الشاعر إلى أبيات مشهورة لغيره , فيقسم أبياتها
إلى شطرين يضيف إلى كل منهما شطرا من عنده , مراعيا تناسب اللفظ والمعنى بين الأصل والفرع ..
ويشترط في التشطير ألا يكون في تركيبه كلفة ولا حشو , بل أن يزيد الأصل جلاء ومعنى لطيفا .
أما (التخميس)
فهو أن يأخذ االشاعر بيتا لسواه , فيجعل صدره بعد ثلاثة أشطر ملائمة له
في الوزن والقافية ( أي يجعله عجُز بيت ثانٍ) , ثم يأتي بعجز ذلك البيت بعد البيتين فيحصل على خمسة أشطر
و من هنا جاءت التسمية بـ (التخميس) .. وربما نظموا قبل البيت الأصلي أربعة أشطر أو خمسة أو ستة ,
ويسمى عملهم هذا تسديسا , أو تسبيعا أو مافوق ذلك ..
ومن أمثلة التشطير تشطير أحد الشعراء البيت الشهير :
جزى الله الشدائد كل خير=عرفت بها عدوي من صديقي
حيث قال :
(جزى الله الشدائد كل خير)=وإن كانت تُغصّصني بريقي
وما مدحي لها حبًّا ولكن=(عرفت بها عدوي من صديقي)
وشطّر أحدهم بيت شوقي الشهير :
نظرة فابتسامة فسلام=فكلام فموعد فلقاء
فقال :
(نظرة فابتسامة فسلام)=كل هذا تبذّل وخناء
أمن الصون صبوة وانقياد=(فكلام فموعد فلقاء)
وشطّر آخر بيتي عبدالغني النابلسي :
رأيت خيال الظل أكبر عبرة=لمن هو في علم الحقيقة راقي
شخوصٌ وأشباحٌ تمرّ وتنقضي=وتفنى جميعا والمحرّك باقي!
فقال :
(رأيت خيال الظل أكبر عبرة)=يلوح بها معنى الكلام لأحداقي
وفي كل موجود على الحق آية=(لمن هو في علم الحقيقة راقي)
(شخوصٌ وأشباحٌ تمرّ وتنقضي)=وليس لها مما قضى الله من واقي
لها حركات ثم يبدو سكونها=(وتفنى جميعا والمحرّك باقي!)
أما المخمسات وهي كثيرة في الشعر العربي , فمن أمثلتها
تخميس صفي الدين الحلي لبيت السموأل الشهير :
تعيّرنا أنّا قليل عديدنا=فقلت لها إن الكرام قليل
حيث قال :
وعصبة غدر أرغمتها جدودنا=وباتت ومنها ضدنا وحسودنا
إذا عجزت عن فعل كيدٍ بكيدنا=تعيّرنا أنّا قليل عديدنا
فقلت لها إن الكرام قليل
ومن هذا النوع قول الشاعر :
ليت الملاح وليت الراح قد جعلا=في جبهة الليث أو في قبة الفلك
كي لا يقبّل معشوقا سوى أسد=ولا يطوف بحانات سوى ملك
فقد خمّسمهما معروف الرصافي فقال :
سعى يحاول إسكاري بكأس طلا=من كنت قبل الطلا في حبه ثملا
فقلت إذ نلت منه الضم والقُبلا=(ليت الملاح وليت الراح قد جعلا)
(في جبهة الليث أو في قبة الفلك)
أقول قولي هذا ليس من حسد=للعاشقين ولا حقد على أحد
لكن صيانة أهل الحسن والغَيَدِ=(كي لا يقبّل معشوقا سوى أسد)
(ولا يطوف بحانات سوى ملك)
وخمّس أحدهم بيتي جرير :
أمر على الديار ديار ليلى=أُقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي=ولكن حب من سكن الديارا
فقال :
محب غادر العبرات سيلا=لكي يحظى من الأحباب نيلا
ألم ترني أجوب البيد ليلا=(أمر على الديار ديار ليلى)
(أُقبل ذا الجدار وذا الجدارا)
ديارٌ للتي فتكت بلبي=تهيِّج لوعتي وتزيد كربي
بليت بحبها من دون صحبي=(وما حب الديار شغفن قلبي)
(ولكن حب من سكن الديارا)
وهذا تخميس لبيت يزيد بن معاوية الشهير :
فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت=ورداً وعضَّت على العناب بالبردِ
التخميس:
لما حكيتُ لها بالعبرة اختنقت=وفي مدامعها من غصَّةٍ شرقت
كأنها مزنة من حسنها برقت=(فأمطرت لؤلؤاً من نرجس وسقت)
(ورداً وعضَّت على العناب بالبردِ)
وخمّس الشاعر عبدالعزيز عندليب بيتي الفرزدق الشهيرين التاليين :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته=و البيت يعرفه و الحل و الحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم=هذا التقي النقي الطاهر العلم
فقال :
هذا الذي تتقي الآساد صولته=هذا الذي تعهد الأيتام رأفته
هذا الذي تعشق الأبصار رؤيته=(هذا الذي تعرف البطحاء وطأته)
( و البيت يعرفه و الحل و الحرم)
هذا ابن أوفى عباد الله بالذمم=هذا ابن أشرف كل العرب و العجم
هذا ابن بنت الهدى و الفضل و الكرم=(هذا ابن خير عباد الله كلهم)
(هذا التقي النقي الطاهر العلم)
وخمس أحدهم بيتي أبي الفرج الساوي التاليين :
هي الدنيا تقول بملء فيها=حذارِ حذارِ من بطشي وفتكي
فلا يغرركمُ مني ابتسام=فقولي مضحكٌ والفعل مبكي
فقال :
دع الدنيا الدنية مع بنيها=وطلقها الثلاث وكن نبيها
ألم يُنبيك ما قد قيل فيها :=(هي الدنيا تقول بملء فيها)
(حذارِ حذارِ من بطشي وفتكي)
فلم يُسمع لها فيهم كلام=وتاهوا في محبتها وهاموا
وكم نصحت وقالت يا نيام=(فلا يغرركمُ مني ابتسام)
(فقولي مضحكٌ والفعل مبكي)
هذه نماذج من التشطير والتخميس في الشعر العربي الفصيح , أما الشعر النبطي فيبدو أنهما فيه قليلان جدا
ولا أعرف من شعراء النبط من شطّر وخمّس غير (أبوماجد) كما أسلفت .. وأنا هنا أنقل لكم ما كتبه الزميل
ماجد المغيولي في صفحة الشاعر في مجلس شعراء عنيزة , وما علق به تقديما لتشطيره وتخميسه , وأختم به الموضوع :
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجد المغيولي
"اسلوب التخميس والتشطير بالشعر "
تعارف الشعراء في الشعر الفصيح على تخميس الابيات الرائعه والنادره , لكن بالشعر النبطي او العامي يكاد يكون معدوما .. ولعل الشاعر( ابو ماجد ) هو اول من ادخل هذا النوع الى الشعر النبطي كـ تخميسه للأبيات القديمه الاتيه :-
ما ضحكة الا والبكا مردف لها = ولا شبعة الا مقتفيها جوع
ولا يـــدٍ الا يـــد الله فــــوقــــها = ولا طايـرات الاوهن وقوع
فقال ابو ماجد ( رحمه الله ) :-
من الراي رايــــات الطغا لا تفلها = ولا تغيـــــــر نعمتك عن محلها
لــــو إن بيــــدك ثروة الناس كلها = ما ضحكة الا والبكا مردف لها
ولا شبعة الا مقتفيها جوع
قلته على سعة المذاهب وضوقها= لا تظلم العالم وتبخس احقوقها
ترا العين يحاسبها الولي عن رموقها = ولا يــد الا يـــد الله فوقها
ولا طايرات الا وهن وقوع
***
التشطير ,,
قال احد الشعراء :-
ودك الا الــرجـــال كبـــده متينه = يصبر ولو صلفوا عليه المعازيب
لابد هــــم من ساعة ذاكــــرينه = يما علـــى خبث ويما علـــى طيب
فشطرهم ابو ماجد بقوله :-
ودك الا الــرجـــال كبـــده متينه = مثل الجمل ينطح احمول المواجيب
يظهـــر بــراهين النجاح بيمينه = يصبر ولـــو صلفوا عليه المعازيب
لابد هــــم من ساعة ذاكـــرينه = امناقشين مــــاقفه عقب تجـــــريب
على صحيفة ما عمل راسمينه = يما علــــى خبث ويما علـــــى طيب
وهنا مثال آخر ,,
ارسل الشاعر عبدالله بن سبيل الى ابو ماجد بيتين رغبة منه بتشطيرهما من قبل ابو ماجد .
قال ابن سبيل :-
لو ان مابي بالغصون الوريقه = امسن بيـــــــض كنهن المشاريق
اخاف من مــــــوت بليا حقيقه = مثل الدجيما ما اطرد به ولا سيق
فشطرهم ابو ماجد على النحو التالي :-
لو ان ما بي بالغصون الوريقه = الناعمات المثمـــــرات المغاديق
سرى بهن ســم الهلاك ابدقيقه = وامسن بيـــض كنهن المشاريق
اخاف من مـــــــوت بليا حقيقه = اصيـر مضراب المثل للعشاشيق
ايقال مــات وفات منهو عويقه = مثل الدجيما لا اطرد به ولا سيق
|